مهما تحدث الناسُ عن اليهود، ووصفوا طباعهم ونفسياتهم فلن يبلغوا مبلغ القرآن في ذلك، وكفى أن يستيقن المسلمُ شدةَ عداوتهم وهو يقرأ قوله ـ تعالى ـ: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ }[المائدة: 82]، وأن يعلم نوعية سعيهم في الأرض من قوله ـ تعالى ـ: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا } . [المائدة: 64].
أجل إنهم ملعونون على لسان أنبيائهم بما عصوا وكانوا يعتدون، وقساةُ قلوب بشهادة الذي خلقهم وهو العليم الخبير: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً }[المائدة: 13]، وهم أسرع الناس للإثم والعدوان بشهادة القرآن على أكثرهم: {وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[المائدة: 62].
والحديث هنا ليس وصفاً لليهود أو استجماعاً للنصوص التي تكشف طبائعهم ومواقفهم وخبثهم؛ فذلك له حديث خاص ـ وإنما يتركز حديث اليوم على قضيتنا الكبرى مع اليهود بمعالمها وأبعادها وطبيعة الصراع فيها لا سيما ونحن نسمع ونرى ـ هذه الأيام ـ أحداثاً دامية واعتداءاً صارخاً على المسلمين، ومحاولات تتكرر للعبث بمقدساتهم، واستفزازاً أهوج لمشاعرهم، وما الحوادث التي تدور رحاها الآن في فلسطين وراح ضحيتها عددٌ من القتلى ومئات من الجرحى إلا حلقة في هذا المسلسل الإجرامي الحقود.
وحتى ندرك حجم القضية ونعلم طبيعة المعركة مع اليهود نورد سؤالاً ثم نجيب عليه أو على بعضه.. والسؤال يقول:ما هي أبرز المعالم في قضيتنا الكبرى مع اليهود؟
والجواب:
1-ليست قضيتنا مع اليهود قضية أرض مجردة يمكن أن نتقاسم فيها النفوذ وأن نتعايش بسلام: كلا؛ فالقضية قضية مقدسات إسلامية، وحقوق مغتصبة، قضية حق يمثله الإسلام والمسلمون تُطمس هويته ويُشرد أبناؤه، وباطل تمثله اليهودية المحرفة، وينتصر له اليهود المغضوب عليهم والنصارى الضالون ـ قضيتنا لها بُعدها العقدي ولها امتدادها التاريخي.
2-وليست قضية فلسطين بمقدساتها وتاريخها قضية العرب وحدهم ـ كما يريد الغرب ومن سار في ركابه أن يُشيعوه ـ: بل هي قضية كل مسلم على وجه البسيطة يؤمن بالدين الحق ويستشعر عداوة اليهود والنصارى للمسلمين، وينتمي لهذه المقدسات.
3-والقضية ـ كذلك ـ ليست حقاً خاصاً لمسلمي اليوم يتصرفون فيها كيفما شاؤوا، ويتنازلون إذا اتفقوا: كلا.. بل هـي ميراث وأمانة.. ميراث عـن الآباء وأمانــة لا بد من تسليمها للأبناء؛ فقد فتحها أسلافنا بدمائهم، وحرروها بصدق عقيدتهم وجهادهم، ولا يحق لنا أن نهدر هذه الجهود حين غاب المحررون، كما لا يسوغ لنا أن نحجر على مسلمي الغد فنكبلهم بمعاهدات سلام هزيلة، ونبيع حقنا وحقهم بأبخس الأثمان.
4- ما هي اللغة التي تفهمها إسرائيل ويحتاجها العرب والمسلمون؟ إنها لغة القوة، وبهذه القوة استسلم اليهود عبر التاريخ؛ وإذا تجاوزنا تاريخهم قبل الإسلام، ووقفنا عند تاريخهم في المدينة مع محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين رأينا كيف كان غدرهم ونقضهم للعهود، ورأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يتعامل معهم بالحصار والإجلاء، بل وتقديم طوائف منهم لتحصد رؤوسهم ويساقون إلى الموت وهم ينظرون، وكيف لا يكون ذلك وقد نقضوا العهود، وألَّبوا الأعداء، ودلُّوا المشركين على عورات المسلمين في أُحُد، ثم كانت غزوة الخندق ومجيء الأحزاب بتخطيطهم مع مشركي قريش؛ وآخر طائفة منهم تماسكت على العهد خوفاً من المسلمين حتى إذا لاحت لهم الفرصة غدرت بنو قريظة في أشد الظروف وأحلكها على المسلمين؛ وتلك التي قال الله عنها: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {10 } هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا } . [الأحزاب: 10، 11] .
ذلك نموذج لغدر اليهود في زمن النبوة، وذلك أسلوب نبوي للتعامل معهم، وهدي المرسلين صالحٌ للاعتبار والاقتداء في كل زمان ومكان.
5-ما مفهوم إسرائيل للسلام، وما هدفُها من إشاعة مفاهيم السلام؟ إننا نخادعُ أنفسنا حين نعتقد أن إسرائيل جادةٌ في تحقيق السلام؛ والواقع يشهد بإفلاس المسرحيات الهزيلة للسلام، ومن كامب ديفيد بمراحله المختلفة وأدواره المكشوفة، إلى مدريد أو غيرها من محطات السلام استَسمن المخدوعون بالسلام ورماً، فإذا الجبلُ يلد فأراً، وإذا الانتقام يعقب السلام ومدادُه لم يجف بعد، فتتحدثُ الديانة المجنزَرة باسم السلام الذي تريده (يهود) وينطق الرشاس، وتحوم الطائرات المروحية، وترمى الطلقات المطاطية وغيرها ـ بشكل عشوائي لتصيب الأطفال والنساء والشيوخ .. وتكون هذه وتكون هذه؛ وتلك لغة السلام المعبرة في ذهن إخوان القردة والخنازير؟! وَمَن صنع مسرحية السلام؟