الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا رب لنا غيره ، ولا معبود بحق سواه .
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، وخليله ومصطفاه .
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد : فإن الأمن حاجة إنسانية ملحة ، ومطلب فطري لا تستقيم الحياة بدونه ، ولا يستغني عنه فرد أو مجتمع ، والحياة بلا أمن حياة قاحلة مجدبة ، شديدة قاسية ، لا يمكن أن تقبل أو تطاق .
فالأمن من أهم مقومات السعادة والاستقرار ، وأهم أسباب التقدم والتحضر والرقي ، وهو مطلب تتفق على أهميته جميع الأمم والشعوب ، والأفراد والمجتمعات ، في كل زمان ومكان .
وإذا فقد الأمن اضطربت النفوس ، وسيطر عليها الخوف والقلق ، وتعطلت مصالح الناس ، وانقبضوا عن السعي والكسب ، وانحصرت هممهم بتأمين أنفسهم ومن تحت أيديهم ، ودفع الظلم والعدوان الواقع أو المتوقع عليهم .
وإذا كان الأمن حاجة إنسانية ملحة ، لا يستغني عنها فرد أو مجتمع ، فإن ذلك يعني بالضرورة وجوب مواجهة ما يخل به من العنف ، ومعالجة آثاره ، وقطع الأسباب الداعية إليه .
وللإسلام منهجه المتفرد في تحقيق الأمن ومكافحة العنف ، فهو يهتم بالجوانب التربوية والوقائية التي تمنع وقوع العنف أصلًا ، كما يهتم بالجوانب الزجرية والعقابية ، التي تمحو آثاره ، وتمنع من معاودته وتكراره .
وهذا بخلاف ما عليه المناهج البشرية الجاهلية ، والقوانين الوضعية التي تهتم بمعالجة العنف بعد وقوعه ، أكثر من اهتمامها بمنع حدوثه ابتداءً .
ولو قدر لها أن تهتم بالجوانب الوقائية والتربوية ، لم يتوفر لها من وسائل ذلك ، ومن الالتزام بها والاستجابة لها واحترامها ما يتوفر للتشريع الإلهي ، الذي هو من وضع الخالق الحكيم ، الذي خلق الإنسان ، ويعلم ما يصلحه ويسعده في عاجل أمره وآجله ، تشريعٌ بريء من جهل الإنسان ، وهوى الإنسان ، وضعف الإنسان ، وتقلبات الإنسان ، لا محاباة فيه لفرد ، ولا لطبقة ، ولا لجنس ؛ لأن الله هو رب العالمين ، والناس كلهم عباده ، وقد أنزل عليهم شريعته لتحقيق أمنهم وحفظ مصالحهم ، وهدايتهم لما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم