الورق مادة على شكل صفحات رقيقة تصنع بنسج الألياف السليولوزية للخضروات. وتستخدم مادة تلك الصفحات في الكتابة والطباعة والتغليف والتعبئة وفي الوفاء بالعديد من الأغراض التي تتراوح بين ترشيح الرواسب من المحاليل وصناعة أنواع معينة من مواد البناء.
وفي حضارة القرن العشرين، أصبح الورق عنصرا أساسيا وأصبح تطوير الآلات من أجل إنتاجها السريع مسئولا عن زيادة التعليم وارتفاع المستويات التعليمية لدى الناس عبر أنحاء العالم.
أطوار صناعة الورق
يعود اختراع الورق إلى الألف الثالث قبل الميلاد (حوالي 2700 ق.م) فقد اخترع المصريون القدماء مادة صالحة للكتابة، مع سهولة الحصول على هذه المادة بثمن في متناول الأيدي، وهي ورق البردي. وكان ذلك من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية وقبل ذلك كانت الكتابة (التي ظهرت في الألف الرابع) مقصورة على الحجر أو اللوحات الطينية والتي استخدمها السومريون وفضلوا الكتابة عليها.
وكان البردي أوفر ثمنا وأيسر إذ كان ينمو بكثرة في مستنقعات الدلتا. وكان الورق يصنع بتقطيع اللب إلى شرائح طولية توضع متعارضة في طبقتين أو ثلاث فوق بعضها ثم تبلل بالماء وتضغط. وكان يصنع كصفحات منفصلة، ثم تلصق هذه الصفحات الواحدة في ذيل الأخرى.
أما الورق المعروف حاليا، فيعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي. ففي عام 105 بعد الميلاد صنع الصيني تسي آي لون ورقا من لحاء الشجر وشباك الأسماك. ثم توصل الصينيون إلى صنع الورق من عجائن لباب الشجر، فحلت بذلك مكان الحرير غالي الثمن، والغاب ثقيل الوزن اللذين قنع بهما الصينيون زمنا طويلا. وبعد ذلك طور الصينيون هذه الصنعة باستخدام مادة ماسكة من الغراء أو الجيلاتين مخلوطة بعجينة نشوية ليقووا بها الألياف ويجعلوا الورق سريع الامتصاص للحبر.
ولكن الورق الصيني كان محدود الانتشار ولم يذع خبره في العالم القديم أو الوسيط حتى القرن الثامن الميلادي، حين عرف العرب أسرار صناعة الورق الصيني بعد فتح سمرقند عام 93هـ / 712 م. وأسس أول مصنع للورق في بغداد عام 178هـ / 794 م. وأسسه الفضل بن يحيى في عصر هارون الرشيد. ثم انتشرت صناعة الورق بسرعة فائقة في كل أنحاء العالم الإسلامي، فدخلت سوريا ومصر وشمال أفريقيا وأسبانيا، وكان الناس يكتبون حتى ذلك الوقت على الرق و العسب و اللخاف ، ثم أمر هارون الرشيد، بعد أن كثر الورق، ألا يكتب الناس إلا في الكاغد .
وتعتبر الآلة الرئيسية في صناعة الورق هي القالب. ويوضع هذا القالب داخل إطار خشبي متحرك وهو إطار منخفض حول حافته. ويقوم صانع الورق بغمس القالب والإطار في الحوض الذي يحتوي على المادة السائلة، وعندما يخرجان من الحوض، يكون سطح القالب مغطى بطبقة رقيقة من خليط الألياف والماء.
أنواع الورق
ولقد تعددت أنواع الورق في بقاع الدولة الإسلامية فكان هناك الطلحي، والنوحي، والجعفري، والفرعوني، والطاهري، نسبة إلى أسماء صانعيه. وأدى ذلك إلى تسهيل إنتاج الكتب بطريقة كبيرة. وفي أقل من قرن من الزمان، أنتج المسلمون مئات الآلاف من نسخ الكتب التي ازدانت بها مئات المكتبات العامة والخاصة في كل أرجاء العالم من الصين شرقا إلى الأندلس غربا.
ومن الأندلس أدخل المسلمون الورق إلى أوروبا، وكان الأوروبيون في ذلك الوقت يكتبون على رقوق من جلود الحيوانات بل اعتاد الرهبان على حك مؤلفات عظماء اليونان المدونة على الرق ليكتبوا بدلا منها مواعظهم الدينية، مما أدى إلى ضياع الكثير من تراث اليونان العلمي والثقافي.
مصانع الورق في أوروبا
ثم انتشرت حرفة صناعة الورق في أوروبا، فأنشئ أول مصنع ورق في أسبانيا حوالي عام 544هـ / 1150 م، ثم تدهورت هذه الصناعة في أسبانيا، وانتقلت إلى إيطاليا، وتأسس أول مصنع لهذا الغرض في مدينة فيريانو عام 674هـ / 1276 م، وأنشئ مصنع أخر في بادوا عام 833هـ / 1340 م، ثم قامت مصانع أخرى عديدة في تريفير وفلورنسا وبولونيا وبارما وميلانو والبندقية. أما أول مصنع للورق أنشئ في ألمانيا فكان في مدينة ماينز عام 719هـ / 1320 م، وتبعه مصنع آخر في نورمبرج عام 792هـ / 1390 م، أما إنجلترا فلقد تأخرت صناعة الورق فيها عن بقية الدول الأوربية قرابة مائة عام وكان إنشاء أول مصنع فيها للورق عام 1495م. وخلال القرن الخامس عشر الميلادي حل الورق محل الرقوق الجلدية في الكتابة في أوروبا. بينما دخلت صناعة الورق إلى الولايات المتحدة في أواخر القرن السابع عشر حيث أنشأ أول مصنع في أمريكا عام 1690م.
ولقد أدى الاستخدام المتزايد للورق في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى وجود نقص في لحاء الخشب الذي كان المادة الخام الكافية الوحيدة المعروفة لصانعي الورق الأوربيين. وفي الوقت ذاته، جرت محاولات لتقليل تكلفة الورق عن طريق اختراع ماكينة تحل محل عملية الصب اليدوية المستخدمة في صناعة الورق. وقد صنعت أول ماكينة عملية عام 1203هـ / 1789 م وقد اخترعها المخترع الفرنسي نيكولاس لويس روبرت. وقد تطور ماكينة روبرت هذه الأخوان هنري فوردينير ووسيلي فوردينير عام 1217هـ / 1803 م. كما حلت مشكلة صناعة الورق من مواد خام رخيصة من خلال التوصل إلى عملية تصنيع لب الورق حوالي عام 1840م، كما تم التوصل إلى عمليات إنتاج اللب كيميائيا بعد ذلك بحوالي عشر سنوات.
وحاليا يصنع أكثر من 95% من الورق من سلولوز الخشب. حيث يستخدم لب الخشب فقط في صناعة الأنواع الرخيصة من الورق مثل ذلك المستخدم في ورق الجرائد، أما الأنواع الأرقى فيستخدم فيها الخشب المعالج كيميائيا واللب وخليط من اللب وألياف اللحاء. . وتعد أفضل أنواع الورق - مثل تلك المستخدمة في الكتابة - تلك المصنوعة من ألياف اللحاء فقط.
صناعة الورق آليا
عند صناعة الورق آليا ينظف اللحاء المستخدم باستخدام الماكينة من أجل التخلص من الغبار أو الرماد والمواد الغريبة. وبعد عملية التنظيف هذه، يوضع اللحاء في غلاية دائرية كبيرة حيث يغلي اللحاء والجير تحت ضغط البخار لمدة تصل إلى عدة ساعات. ويتحد الجير مع الدهون والمواد الغريبة الأخرى الموجودة في اللحاء ليكون صابونا غير قابل للذوبان، ويمكن التخلص من هذا الصابون فيما بعد، كما أن هذا الجير يقلل أية صبغة ملونة موجودة في المركبات الملونة. ثم يحول اللحاء إلى ماكينة تسمى هولاندر وهي عبارة عن حوض مقسم طوليا بحيث تشكل سلسلة متصلة حول الحوض. وفي أحد نصفي الحوض، توجد أسطوانة أفقية تحمل سلسلة من السكاكين التي تدور بسرعة بالقرب من لوح قاعدة منحني وهو الآخر مزود بسكاكين. ويمر الخليط المكون من اللحاء والمياه بين الأسطوانة ولوح القاعدة ويتحول اللحاء إلى ألياف. وفي النصف الآخر من الحوض، توجد أسطوانة غسيل مجوفة مغطاة بطبقة عبارة عن شبكة رقيقة منظمة بطريقة معينة بحيث تمتص المياه من الحوض تاركة اللحاء والألياف خلفها. وأثناء تدفق خليط اللحاء والمياه حول الهولاندر، يتم التخلص من القاذورات وينقع اللحاء تدريجيا حتى يتحلل تماما إلى ألياف مفردة. وبعد ذلك يتم إدخال اللحاء المبتل في ماكينة هولاندر فرعية من أجل فصل الألياف مرة أخرى. وعند هذه النقطة، تضاف مواد تلوين ومواد غراء كالصمغ أو نوع من الراتينج ومواد حشو مثل كبريتات الجير أو الصلصال النقي، وذلك لزيادة وزن وحجم