ساطع بن محمد هلال الحصري، ولد في مدينة صنعاء اليمنية سنة 1880م، والده محمد هلال الحصري من أهالي مدينة حلب في شمالي سورية، نال الإجازة في علوم الشريعة والعربية من الجامع الأزهر بمصر، فعين قاضياً في مدينة دير الزور ثم في مدينة حلب السوريتين، ثم عين رئيساً لمحكمة استئناف ولاية اليمن، ثم انتقل بعدها إلى أضنة ثم إلى أنقرة من بلاد الأناضول، فإلى طرابلس الغرب في ليبيا، ثم أُعيد ثانية إلى اليمن، فإلى قونية في تركيا فثانية إلى طرابلس الغرب.
وعندما انتقلت وظيفة القاضي الحصري إلى طرابلس الغرب للمرة الثانية سنة 1893م، كان ساطع الذي أتم الدراسة الابتدائية النظامية، قد استطاع بجهده الشخصي واجتهاده الشديد، دخول القسم الإعدادي من (المدرسة الملكية الشاهانية) في استانبول، فتركته الأسرة المسافرة إلى ليبيا تلميذاً داخلياً في هذه المدرسة، ولكن لم يكن ساطع يرضى لنفسه الاكتفاء بالمحاضرات النظامية التي تلقى عليه، وبالكتب المحددة المطلوبة منه. فقد خلق شديد الرغبة بالمعرفة والتقصي، محباً للدراسة والتحصيل مولعاً بالعلوم الرياضية، مندفعاً وراء كشف دقائقها، فأخذ يلتهم كل ما تقع عليه يده من كتب ومجلات يبحث فيها، مستعيراً من أصدقائه طلاب مدرستي الهندسة والأركان الكتب المقررة عليهم، وبدأ يُعرف بقدرته على حل الصعب من مسائل الرياضيات العالية، فأطلق عليه رفاقه اسم (آرشيمد) واشتهر بهذا الاسم مدة طويلة من الزمن، كما أولع بالعلوم الطبيعية واستهواه تشريح الحيوانات وتحنيطها. وهكذا استطاع ساطع الحصري أن يكمل دراسته العالية في المدرسة الملكية سنة 1900م بتفوق ملحوظ.
احتل ساطع الحصري بما قام به من تبديل في نظم التربية والتعليم، وبما نشره من مؤلفات ومقالات، مكانة عالية في الدولة العثمانية، وتمتع بمركز مرموق. فقد انتخب عضواً في (جمعية المطبوعات العثمانية) منذ يوم تأسيسها، وكان رئيساً لمؤتمر المطبوعات، وتعتبر هذه الوظيفة من آخر المراكز التي تبوأها ساطع الحصري في العهد العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918.
كان ساطع الحصري من موقعه في إطار الدولة العثمانية منخرطاً في سلك (الاتحاد والترقي) الحزب التركي الطوراني الذي حمل راية التتريك ضد العرب. ولكنه في لحظة ما انقلب من موقفه الطوراني ليحمل راية القومية العربية وليجعل من نفسه منظراً لها.
دعته الحكومة العربية التي تشكلت في سورية بعد الانفصال عن الدولة العثمانية، وكلفته بوظيفة مفتشاً عاماً للمعارف ثم مديراً عاماً للمعارف في سورية، ويوم أعلن المؤتمر السوري استقلال سورية وتُوج فيصل بن الحسين ملكاً على سورية بتاريخ 8 آذار1920، وقامت أول حكومة عربية دستورية، أُختير الحصري وزيراً للمعارف فيها، كما أصدر مجلة باسم (التربية والتعليم) نشر فيها عدة مقالات تربوية ووطنية.
يوم احتل الفرنسيون دمشق، غادر الحصري سورية مع مليكها المبعد عن العرش فيصل الأول، مرافقاً مليكه في رحلاته بين العواصم الأوروبية، وبعد أن توج فيصل ملكاً على العراق استدعى ساطع الحصري الذي كان وقتها في مصر يطّلع على الأوضاع التربوية والتعليمية فيها، ليعمل مستشاراً لشؤون المعارف في الدولة العراقية الجديدة، حيث تسلم طيلة ما يقارب العشرين عاماً عدة مناصب تربوية في بغداد وهي:-
1ـ معاون وزير المعارف 2ـ مدير المعارف العام
3ـ أستاذ علم التربية في دار المعلمين العالية في بغداد
4ـ مراقب التعليم العام 5ـ عميد كلية الحقوق ومدير الآثار القديمة
6ـ مدير لآثار القديمة ومراقب التربية والتدريس العام، وأخيراً مدير الآثار العامة حتى عام 1941.
دعته الحكومة السورية سنة 1945 وفي أعقاب جلاء الجيش الفرنسي عن سوريا، وكلفته بمهمة الإشراف على إعادة تنظيم المعارف، فعينته مستشاراً فنياُ لشؤون التربية والتعليم.
وعقب فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق اضطر ساطع الحصري إلى مغادرة العراق فرحل إلى لبنان وأقام فيها مدة أربع سنوات.
وفي سنة 1947، دعته وزارة المعارف المصرية ليعمل أستاذاً في معهد التعليم العالي في القاهرة، وكلفته بمنصب المستشار الفني للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، ثم استلم إدارة معهد الدراسات العربية العالية الذي قررت جامعة الدول العربية بمساعيه افتتاحه في القاهرة، كما عُين فيه أستاذاً للقومية العربية، إلا أنه لم يستطع تطبيق جميع ما يدين به من آراء، فاستقال وتفرغ للبحث والتأليف.
عاد الحصري إلى العراق عام 1965، بعد أن أُعيدت إليه الجنسية العراقية، وظل فيه حتى وفاته عام 1968.
أما آراء ساطع الحصري في القومية فيمكن تلخيصها فيمايلي:
كرر ساطع الحصري النظريات الغربية عن القومية باعتبار اللغة والتاريخ المشترك المكونين الأساسيين لتكوين الأمم (مع لكنة أعجمية شديدة كانت في لسانه العربي). وكان يعتبر الدين (الإسلام) عنصراً ثانوياً مكملاً في حرص مسبق على تفتيت الرابطة الإسلامية التي كانت تقوم عليها الدولة العثمانية. ومع أن ساطع الحصري قد نادى في كل دراساته بدولة قومية علمانية إلا أنه كان يؤكد أن علمانيته لا تعني (اللادينية) كما كان يفهمها كثير من رفاقه وإنما كان يؤكد على أن الدين بعد شخصي في حياة الفرد مردداً بذلك الموقف العلماني الغربي.
نظر الحصري إلى الإسلام على أنه حركة تجديدية عربية كان لها دورها في صنع تاريخ الأمة العربية ولكنه يرى أن قراءة التاريخ بأعين معاصرة تؤكد أن دور الإسلام في العصر الحديث قد غدا ثانوياً أو هامشياً.
ومثله مثل الكثير من دعاة القومية حاول ساطع الحصري أن يعيد الاعتبار إلى المرحلة الجاهلية باعتبارها تمثل المهد الذي نشأت فيه الدعوة الإسلامية حيث يغمز هؤلاء القوميون كثيراً البعد الرباني لهذه الدعوة محاولين أن يصوروها وليدة البيئة العربية الجاهلية بكل معطياتها السلبية والإيجابية.
يعتبر ساطع الحصري أحد الرواد الأوائل للفكر القومي العربي وهو بسبب عصبيته المسبقة ضد الإسلام وجهده المتكرر لإقصائه عن دوره الحقيقي في حياة الأمة قد شارك تاريخياً في صنع الفجوة بين مكونات الأمة الأساسية (الدين) و(القومية) وكان لهذه الفجوة أثرها في بعثرة جهود الأمة وضرب قواها بعضها ببعض.
والحصري من الآباء الروحيين لكثير من الأحزاب القومية العربية ومن هنا فقد كنا نجد أن وزارات المعارف والمجامع العربية تفتح له أبوابها من قطر إلى قطر (سورية، العراق، مصر، لبنان، الجامعة العربية) وكل هذه التسهيلات لا ترتبط بمقدرة الرجل فقط وإنما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموقفه الأصلي من الدولة العثمانية ومن الوحدة الإسلامية.
ترك ساطع الحصري الكثير من المؤلفات السياسية والتربوية والتاريخية والاجتماعية، إلا أن فكرة القومية العربية والدفاع عنها كانت الهاجس الرئيسي في كل ما كتب، وللحصري مؤلفات عديدة :
ـ آراء وأحاديث في الوطنية القومية.
ـ محاضرات في نشوء الفكرة القومية.
ـ آراء وأحاديث في القومية العربية.
ـ العروبة بين دعاتها ومعارضيها.
ـ العروبة أولاً.