سكن الشعب الإليري قبل حوالي ثلاثة آلاف عام المنطقة المعروفة الآن باسم البوسنة والهرسك، ثم أصبحت المنطقة جزءًا من الإمبراطورية الرومانية حوالي سنة 11 ق.م، واستقر فيها شعب سلافي بعد ذلك خلال القرنين السادس والسابع الميلاديين. وجاء بعض ملوك المجر وفرضوا سيطرتهم على معظم أراضي البوسنة والهرسك في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين، لكن النبلاء المحليين الذين كانوا يسمون بانز كانوا قادرين على أن يحكموا بشيء من الاستقلال في كثير من الأوقات. وكانت هوم التي هي الآن الهرسك تحت الحكم الصربي أو المجري من القرن الثاني عشر حتى سنة 1326م. ثم سيطرت عليها البوسنة من سنة 1326م حتى سنة 1448م عندما أعلن الحاكم المحلي استقلاله وتلقب بلقب هرسك
ومعناها الدوق
ثم جاء الأتراك العثمانيون وفتحوا معظم البوسنة عام 1463م، كما فتحوا أيضًا أراضي الهرسك في 1480م وما بعدها، واعتنق بعض السلاف الدين الإسلامي بعد ذلك الفتح.
ظلت البوسنة والهرسك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية حتى مؤتمر برلين الذي عقده زعماء الدول الأوروبية الكبرى سنة 1878م، وفي هذا المؤتمر أعطيت إمبراطورية النمسا ـ المجر حق إدارة هذه المنطقة. وفي عام 1908م ضمت هذه الإمبراطورية الإقليم نهائيًا إليها.
وفي يونيو 1914م اغتيل الأرشيدوق فرانسيس فيرديناند النمساوي في سراييفو على يد جافريلو برنسب الصربي البوسني. وقد أدى هذا الاغتيال إلى نشوب الحرب العالمية الأولى.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918م أصبحت البوسنة والهرسك تحت حكم مملكة الصرب والكروات وسلوفينيا. ثم أعيدت تسمية هذه المملكة حيث أصبح اسمها يوغوسلافيا في سنة 1929م. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م) احتلت دول المحور بزعامة ألمانيا وإيطاليا يوغوسلافيا، وأصبحت كرواتيا دولة مستقلة لفترة قصيرة، ولكنها في واقع الأمر كانت تحت سيطرة ألمانيا. ووضعت البوسنة والهرسك تحت سيطرة كرواتيا. وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية استولى الشيوعيون على الحكم في يوغوسلافيا وبمقتضى دستور أقر في سنة 1946م، أصبحت يوغوسلافيا دولة فيدرالية، أي دولة تكون فيها السلطات مشاركة بين الحكومة المركزية والجمهوريات. وأصبحت البوسنة والهرسك إحدى الجمهوريات الست اليوغوسلافية، وكذلك كانت كرواتيا.
الحرب دمرت كثيرًا من المباني في سراييفو
عاصمة البوسنة والهرسك في سنة 1992م. وفي هذه الحرب، قاتل الصربيون كل من لم يكن صربيًا بعد أن أعلنت البوسنة استقلالها عن يوغوسلافيا السابقة.
وخلال الحكم الشيوعي في يوغوسلافيا صنفت جمهورية البوسنة والهرسك على أنها منطقة أقل تطورًا من الأخريات. وهذا التصنيف مكَّنها من أن تتسلم أموالاً تساعدها على التطور الاقتصادي. ومع كلٍ فقد كانت هناك أقاليم ظلت في حالة فقر مدقع. وفي أواخر الثمانينيات من القرن العشرين وصلت نسبة البطالة إلى 25%. وكانت الحرب الأهلية التي اندلعت سنة 1992م قد غيرت الاقتصاد بشكل تام.
كانت البوسنة والهرسك تمثل دائمًا نقطة يشتد حولها النزاع بسبب اختلافها الثقافي والديني عن بقية الجماعات السكانية الأخرى التي تعيش فيها. وفي أواخر الثمانينيات بدأت العلاقة تسوء أكثر وأكثر خاصة بين الصربيين وغير الصربيين.
تنازل الحزب الشيوعي في سنة 1990م عن انفراده بالسلطة في يوغوسلافيا، فبدأت تتكون أحزاب سياسية في البلاد. وفي تلك السنة عقدت البوسنة والهرسك انتخابات حرة لأول مرة، وفازت الأحزاب غير الشيوعية بمعظم المقاعد في المجلس التشريعي. وانتخب علي عزت بيجوفيتش، وهو رجل مسلم، رئيسًا للبلاد.
في يونيو 1991م بدأت يوغوسلافيا في الانقسام على نفسها بعد أن أعلنت كل من كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما. وما لبث أن عُقد استفتاء عام في فبراير ومارس من عام 1992م على الاستقلال في البوسنة والهرسك. وكان الغرض من هذا الاستفتاء أن يقرر السكان ما يريدون لمستقبل بلادهم. فقاطع معظم الصرب هذا الاستفتاء. بيد أن أغلبية سكان الجمهورية من كروات وبوسنيين صوتوا لصالح الاستقلال وعندها أعلنت البوسنة والهرسك الاستقلال.
عارض عدد كبير من الصرب الذين يعيشون في البوسنة والهرسك إعلان الاستقلال. وبدأ الصرب الذين كان يساندهم الجيش اليوغوسلافي القومي حربًا ضد كل من لم يكن صربيًا. واستولوا على ما يقرب من ثلثي أراضي البوسنة والهرسك خلال شهرين. وسعى الصرب إلى إخراج كل من لم يكن صربيًا من الأراضي البوسنية التي ادعوها لأنفسهم. وأُطلق على تلك السياسة التي انتهجوها سياسة التطهير العرقي
.
كوّنت صربيا ومنتنجرو (الجبل الأسود) في أبريل سنة 1992م يوغوسلافيا جديدة مصغرة. وزودت يوغوسلافيا الصرب الذين كانوا يحاربون مسلمي البوسنة والهرسك بجنود ومعدات. وكان المقاتلون الذين يحاربون الصرب في البوسنة يتكونون من البوسنيين المسلمين والبوسنيين الكروات. وفي أثناء اندلاع الحرب استطاع كروات البوسنة بمساندة كرواتيا أن يستولوا على ما يقرب من خُمس مساحة البلاد. وفي يوليو 1992م أخذ بعض كروات البوسنة يطالبون بالاستقلال للأراضي الكرواتية. وفي أكتوبر نشب القتال بين كروات البوسنة والبوسنيين المسلمين. وفي مايو من نفس السنة فرضت الأمم المتحدة حظرًا على البترول والتجارة على يوغوسلافيا الجديدة في محاولة لإيقاف القتال. وفي يونيو 1992م وصلت قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام إلى أراضي البوسنة والهرسك. وتولت هذه القوات مسؤولية مطار البلاد على أساس حماية شحنات الأغذية والأدوية.
وفي أكتوبر سنة 1992م بدأت الولايات المتحدة في رفع تقارير عن بعض حوادث انتهاكات حقوق الإنسان في البوسنة. وأفادت تلك التقارير أن صرب البوسنة قد عذبوا وقتلوا بعض مسلمي البوسنة والكروات في بعض معسكرات الاعتقال. ومنذ نشوب الحرب فقد قتل آلاف الناس، كما طرد مئات الآلاف من منازلهم.
وبالرغم من القصف المدفعي غير المنقطع الذي قام به الصرب لعاصمة البوسنة والهرسك سراييفو، وغيرها من المدن، والحصار الدائم للمناطق المسلمة بحيث لا تصل إليهم إمدادات، مع تدمير محطات الكهرباء والمياه، فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منع توصيل السلاح لمسلمي البوسنة. كما فرض أيضًا حصارًا على الصرب وثبت أنه غير ذي جدوى ولم تمتثل الدول المجاورة ليوغوسلافيا المصغرة بإيقاف التجارة معها أو حظر النفط عنها. وعينت الدول الأوروبية اللورد أوين وسيطًا دوليًا بين البوسنة والهرسك والصرب والكروات، ولكن لم تصل محاولاته إلى حل شامل. وكان الصرب في كل مرة يخرقون أية هدنة تُعقد ويواصلون قصف البوسنة بقنابل مدافعهم. وإزاء هذه المذابح اجتمعت الدول الإسلامية للتشاور حول السياسة التي يجب أن تتخذ في هذه الأزمة، لكن المؤتمر لم يصل إلى حل حاسم لإنهاء محنة مسلمي البوسنة. وقررت الدول الإسلامية إرسال إمدادات الغذاء والدواء إلى أولئك المحاصرين من المسلمين من قِبَل الصرب. وقد هدد الرئيس كلينتون مرتين بأنه قد تستخدم الولايات المتحدة طائراتها لقصف المواقع الصربية المعتدية إذا رأت ذلك ضروريًا، ولكن لم ينفذ شيء من هذا في حينه.
ونتيجة للقصف الصربي المتعمد لسوق شعبي في سراييفو في فبراير 1994م راح ضحيته عشرات المدنيين قام حلف الناتو بتحذير الصرب وطالبهم بسحب آلياتهم الحربية الثقيلة من التلال المجاورة للمدينة وإلا تدخلت قواته للحد من ذلك. وفعلاً انصاع الصرب لذلك بعد أن أسقطت طائرات حلف الناتو أربع طائرات صربية. وعاشت سراييفو فترات هدوء متقطعة. كما جرت محاولات بين البوسنة وكرواتيا في نيويورك لإقامة وحدة كونفدرالية بين الطرفين، وقد تم توقيع هذا الاتفاق في واشنطن في مارس 1994م. كما جرى توقيع هدنة بين الصرب والمسلمين استمرت 7 أشهر، إلا أنه في سبتمبر 1994م تجددت الاشتباكات مرة أخرى، وصبت المدفعية الصربية جام غضبها على المدن المسلمة.
وفي أغسطس 1995م، وقعت حكومة البوسنة والحكومة الكرواتية اتفاقًا يقضي بالتعاون فيما بينهما لصد الهجمات الصربية بعد أن احتل الصرب سربينيتشا وشردوا عشرات الآلاف من سكانها إلى مدينة توزلا، وفعلا قامت القوات الكرواتية بهجوم سريع وعنيف ضد قوات الصرب وهزمتهم هزيمة منكرة وطردتهم من الأراضي الكرواتية التي احتلها الصرب في أوائل التسعينيات من القرن العشرين. كما قامت قوات الحكومة البوسنية بالتعاون مع القوات الكرواتية باسترداد جيب بيهارتش المسلم الذي حاصره الصرب في أغسطس 1995م. وفي أوائل سبتمبر 1995م، قامت طائرات حلف شمال الأطلسي بقصف المواقع الصربية حول سراييفو بغرض إبعاد المدافع الصربية عن العاصمة البوسنية. كفت طائرات الحلف عن قصف المواقع الصربية في نفس الشهر بعد أن اتفق ممثلو البوسنة وصربيا وكرواتيا على خطة للسلام في دايتون بولاية أوهايو الأمريكية في شهر نوفمبر، ووقعت اتفاقية السلام بباريس في شهر ديسمبر من نفس العام. قسمت الاتفاقية البوسنة إلى قسمين: قسم يسيطر عليه اتحاد فيدرالي من المسلمين والكروات يمثل 51% من مساحة البلاد، وآخر يسيطر عليه الصرب البوسنيين يمثل 49% من مساحة البلاد. ووضع بموجب الاتفاقية 60,000جندي من حلف شمال الأطلسي لمراقبة وقف إطلاق النار. وفي 14 سبتمبر 1996م، أجريت أول انتخابات عامة في البوسنة منذ 1990م، فاز فيها حزب العمل الديمقراطي بقيادة علي عزت بيجوفيتش الذي أصبح رئيس الرئاسة الجماعية الثلاثية مع عضوين صربي وكرواتي.