عاشقة فلسطين المديرة العامة
المزاج : الهواية : العمل : الجنس : عدد الرسائل : 2574 العمر : 37 علم دولتك : تاريخ التسجيل : 25/05/2009
| موضوع: بحث عن قضية فلسطين في الشعر الجزائري الأربعاء مايو 26, 2010 10:27 am | |
| يعالج هذا البحث قضية فلسطين في الشعر الجزائري, ويؤكّد أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية, بالرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي الغاشم منذ الاحتلال سنة (1830 م) وحتى الاستقلال سنة (1962 م) لأنَّ صلة الشاعر الجزائري بالمشرق العربي وقضاياه ومشاغله صلة وطيدة وعريقة, وتأتي قضية فلسطين في المقدمة , بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري, شعرا ونثرا, في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور : الوطنية, والعروبة, والوحدة العربية , وفلسطين. ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن, كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية, وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي البغيض, فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني, وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله, وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة, بل عرف أخطر من هذا, محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود, وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين بنكبة فلسطين, وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي.
وقد رافق الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي, وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها, وتابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان " وعد بلفور" سنة 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات, ثم رفضه لقرار التقسيم, وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب 1948 م, ونكسة 1967 م, ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين, وأبطال المقاومة, وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم. لقد كتبَ شاعرٌ جزائريٌّ ناشِئٌ لم يذكر اسمه خوفا من رقابة الاستعمار الفرنسي البغيض المتصهين, قصيدة شعرية عن فلسطين في سنة 1930 م, حيث نشرها آنذاك بمجلة " الشهاب " الجزائرية التي كان يديرها العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, يصوّر فيها مشاعره النابضة نحو القدس وساكنيها, ويعبر فيها عن تعاطف الشعب الجزائري كله مع الشعب الفلسطيني الشقيق انطلاقا من إحساسه بخطر الاحتلال الصهيوني على قدس العروبة, يقول :
ناشـَدْتُكَ اللهَ ياقُـدْسَ العُروبَةِ لا تُقمْ حِسابًا, لِمَنْ قَـدْ رَامَ تَمْوِيَها فَمَا طُموحُ يَهُـودِ الشَّرْقِ يَنْفَعُهُم وَلاَ يَنَالُـونَ إلاَّ الْمَقْتَ تَشْوِيهَا يا أُمّةَ الْقُدْسِ, لا يُحْزِنْكَ مَطْمَحُهُم فَإنَّ لِلْقـُدْسِ رَبًّـا, هُوَ يَحْمِيهَا أمَّا الْجَـزائِرُ, فَهي مِنْ مُصـابِكُم في حَر ِنارِ الأسَى, تَشْكُو لِبَارِيهَا آهٍ عَلَى أُمَّـةِ الْقُدْسِ الَّتِي بَسَطَتْ لِلْجارِ إحْسَانَها, وأسأَلْ مُجِيِريهَا آهٍ, عَلَى كـَأْسِ ذُلٍّ, وَهيَ تَرْشُفُها وعَنْ صِغَارِ كـآباتٍ تُقـاسِيهَا وباستثناء الوزن المختل في بعض الأبيـات, فـإنَّ المقطَّعة تزخر بالمشـاعر الفيّاضَةِ, والإيحـاءات القومية النافذة.
وفي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية, وكادت تقضي على النفوذ الأنجليزي والوجود الصهيوني؛ بدأت الثورة بإعلان الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين العربية تعبيرًا عن سخط الشعب الفلسطيني عن الانتداب البريطاني والدولة اليهودية المقترحة, وسرعان ما تحول الإضراب إلى ثورة علنية مسلحة, وتوافد المتطوعون من البلاد العربية المجاورة, واهتاج الرأي العام العربي في مختلف الأقطار العربية, وشعرت السلطات البريطانية بالخطر, فاستخدمت الدبابات والطائرات في قمع الثوار, وأخذت تنكل بالأحرار من أبناء فلسطين فأحس محمد العيد آل خليفة " بالخطر على هذا الجزء من الوطن العربي وأدرك أنَّ يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت لها فلسطين خفية مرة وعلنية أخرى, فكتب قصيدته (بني التايمز) التي يهاجم فيها الانجليز, ويتحسر على ما حلَّ بأولى القبلتين", يقول:
" بنَي التَّايْمز " قَدْ جُرْتُمْ كَثيرًا فهَلْ لكُمْ عَنِ الْجَـوْرِ ازْدجَـارُ ؟ أَفي أَسْـواقِكُمْ نَصبًـا وغَصْبًا تَسـومُ (القِبْـلَة) الأُولى التّجَـارُ إِخَالُ (القِبْلَةَ) انْسَجرتْ دِمَـاءً كَمَـا لِلْبَحْـرِ باللُّجـج انْسِجـارُ تَرَوْنَ لَهـَا سِوَى العَرَبّي أَهْـلاً وتَـأْبَى التُّرْبُ فِيهَـا والْحِجَـارُ فَـلَيْسَ لَهَـا بِلاَ فَمِهِ لِسَـانٌ وَلَيْسَ لَهَـا بِـلاَ دَمِـهِ نِجــارُ ألَمْ يُؤْلِمْـكُمُ حَـرَمٌ مُبـاحٌ وشَعْبٌ يَسْتـجِـيرُ ولا يُجــارُ إِذَنْ فالحَـرْبُ لِلْعَـربّي دَأْبٌ وَهَلْ تَخْفَى (الْبَسُوسُ) أو (الْفِجارُ) شَدَدْتُمْ قَهْـرَهُ فَعَـلاَ انْفِجارًا وعُقُـبَى شِـدَّةِ القَهْر ِ انْفِجـارُ إنَّ هذا الإحساس بالخطر جعل الشاعر محمد العيد, كغيره من الشعراء العرب والمسلمين, يُحِسُّ بِهذا الاحساس العارم بالقدس وفلسطين وأرضها ونضالها, وبخاصة بعدَ أنْ بدأت خيوط المؤامرة تتضح والأطماع الصهيونية تكشر عن أنيابِها عندما دعت " لجنة بيل " إلى تقسيم فلسطين كحل وسط, أحس الشاعر بالكارثة, وتألَّمَ من هذا المشروع المبيت, وشعر بالخطر على " القدس " التي يقدّسُها ويَحْملُ لها في نفسه (كغيره من أبناء العرب والمسلمين) تقديرا خاصا لِمَا لَهَا من مكانة في النفوس, فتراه يتحدث في أسس عن " القدس " سنة 1937 م, ويؤكّدُ حقّ العرب فيها, يقول :
يا قِسْمَةَ القُدْسِ أَنْتِ ضِيزَى لم يَعْدِلْ القـاسِمونَ فِيكِ مَضَوْا عَلى الحَيْفِ لَمْ يُبالُوا بِمَا جَـرَى مِنْ دَمٍ سَفيكِ القُدْسُ لِلْعُربِ مِنْ زمـانٍ لَمْ يَقْبَلُـوا فيهِ مِنْ شريكِ قَـدْ سامَهُ الأجْنَبُّي خَسْفًـا وهَـدَّ مِنْ رُكْنِهِ السَّمِيكِ يا (لُنْدُرة) لـَوْدَرى بَنُونَـا لم يَأْمَنُوا الْغَـدْرَ مِنْ بَنيكِ إخالُ شَعْبَ الْيَهُـودِ سـِرًّا سَبَاكِ بِالْعَسْجَـدِ السَّبِيكِ أَهَكَـذَا تَفْصـِلُ الْقَضـاءِ بِحُكْمِهـا لَجْـنَةُ الْمَلِيكِ ؟ قَـدْ دَلَّ طُغْيانُ انْكِـلتْـرَا عَلَى فَـناء ٍ لَها وَشِيـكِ( وفي سنة 1938 م نظم الشاعر قصيدته الموسومة بـ (يا عام), ونشرها في مجلة الشهاب الجزائرية يناجي فيها هذا العام ويستنطقه عن فلسطين, ويتحدّث فيها عن القضية العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, وما يجري فيها من مظالم ومآس يَمجُّهَا الذَّوق السليم, يقول:
يَا عـامُ هَلْ فِيكَ خَيرٌ لِلْمُسْلِمـينَ يُرَجَّـى أَخُـوكَ يَا عـامُ فِيه لَيْلُ الْمَظَـالِم دَجَّى صبَّ الأذَى فِيهِ صَبَّا فَرُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّـا ألَمْ تَـرَ الشّـرْقَ فِيهِ من المظَـالِم دَجَّـى سِيمَتْ فلَسْطِينُ خَسْفًا عَجَّ الحِمَى مِنْهُ عَجَّـا هَذا عن الأَهْل أُقْصِي وذَاكَ فِي السّجْنِ زُجَّا وَفي الشّمـالِ هَنَاتٌ يَمُجُّهَا الذَّوْقُ مَجَّـا والشَّرقُ وَلهانُ يَرْجُو أنْ يَسلكَ الأمْن فَجَّا يـودُّ إقْنَـاعَ خَصْمٍ في غَمْطِه الحَقِّ لَجَّـا ويَبْتَغـِي رَدْعَ جـانٍ وجْهَ الْعَدالةِ شَجَّـا"
ومن اللافت للنظر في هذه الأبيات أنَّها تنطبق حتى على وقتنا الحاضر, فهناك من لايزال يؤمن بِهذا الطريق الذي سلكه الجيل الماضي في مسالمتهم للاستعمار والصهيونية من الحكام العرب... وكأنَّ الشاعر تنبأ بِما يجري الآن, فيخاطب الحاضر في الماضي" وفي ختام القصيدة يتوجه الشـاعر بالحديث إلى ذلك العام, وهو لا يرجـو منه الشئ الكثير, لأنَّه أشبه بالطفل الذي لا يُفصح عمّا في نفسه, مثلما كان الأمر بالنسبة للأعوام السابقة عليه, يقول :
يَاعَامُ أشْبَهْتَ طِفلاً بالأبْجَـدِيَةِ هَجَّـا هَلْ يَبْلُغُ الشَّطَّ أمْرٌ كالْفُلْكِ فِيكَ يُزَجَّى؟ وَهَلْ نُنَجَّى قَرِيبًّـا مِنَ الأَذَى هَلْ تُنَجَّى؟ ولم يكتف محمد العيد بِمجـرد التعبير عن تضـامنه مع القضية الفلسطينية, وتأييده لقضـايا الأمـة العربية كلها سـواء في فلسطين أو في شمـال افريقيا, بل غيّر لهجته من التضـامن إلى التهـديد والوعيد, ووصف أخـلاق اليهـود وطبـاعهم الشـريرة التي عرفـوا بِها كالخـداع والجبن والغـرور وسـواها, يقـول محمد العيد في قصيدته " فلسطين العـزيزة " التي نظـمها سنة 1367 ه :
فَلَسْطينُ العـزيزةُ لاَ تُراعِي فَعَينُ اللهِ رَاصدِةٌ تُـراعِي وحَوْلَكِ مِنْ بَنِي عَدْنانَ جُنْدٌ كَثِيرُ الْعَـدِّ يَزْأرُ كَالسِّباعِ إذا اسْتَصْرَخْتِهِ لِلْحَـرْبِ لَبَّى وخَفَّ إلَيْكِ مِنْ كُلِّ الْبِقاعِ يَجودُ بِكُلِّ مُرْتَخَصٍ وغـَالي لِيَدْفَعَ عَنْكَ غَاراتِ الضّباعِ بُليتِ بِهِمْ صَهـايَنَةً جياعًـا فَسُحْقًا للصَّهايِنَةِ الْجِيـاعِ سَتَكْشِفُ عَنْهُمُ الهَيْجاءُ سِتْرًا وتَرمِيهِمُ بِكُلِّ فَتَّى شُجـاعِ ثم يدخل في وصف أخلاق اليهود, وطباعهم التي عرفوا بِها, فيقول :
وكَيْفَ يُصادِفُ العِبْريُّ نُجْحًـا وَمَا أَخْـلاَقُـهُ غَيْرَ الْخِـدَاعِ قد اشْتَهَر اليَهُـودُ بِكُلِّ قُطْرٍ بِأَنَّ طِبَـاعَهُم شَـرُّ الطّبَـاعِ قَدِ اغْتَرَّ الْيَهُـودُ بِمَا أَصَابُـوا بِأَرْضِ الْقُدْسِ مِنْ بَعْضِ الْقِلاَعِ مَتَى كَانَ الْيَهُـودُ جنُودَ حَربٍ وَكُفُؤًا لِلأعـارِبِ في الصّراعِ ويختم القصيدة بِهذا الصوت المتحمس الذي يأتي من الشاعر الثائر مُتوجها إلى فلسطين العزيزة :
فَلَسْطينُ الْعَـزِيزَةُ لا تَخَـافِي فَإنَّ العُرْبَ هَبُّـوا لِلدِّفَـاعِ بِجَيْشٍ مُظِلمٍ كَاللَّيْلِ غَـطَّى حِيالَكِ كُلَّ سَهْلٍ أوْ يَفـَاعِ ومـا أسْيَافُـهُ إلاَّ نُجـومٌ رُجـومٌ لِلْيَهـوُدِ بِلا نِزَاعِ يُرابِطُ في ثُغُـورِكِ مُسْتَعِـدًّا عَلَى الأهْباتِ لِلأمْرِ المُطـاعِ سَيَهْجُمُ مِنْ مَراكِـزِهِ عَلَيْهمْ هُجومَ الآكِلينَ عَلى القصاعي ونَحْنُ بَنِي العُـروبَةِ قد خُلِقْنا نُلَبّي لِلْمَعـارِكِ كُلَّ دَاعِـي لَنَا في الحَرْبِ غـاراتٌ كِبارٌ وأيَّـامٌ مُخـلَّدَةُ الْمَسَـاعِي وكَيْفَ نَذِلُّ أوْ نَرْضَى انْخِفَاضًا ونَجْمُ جُـدُودِنَا نَجْمُ ارْتِفَاعِ تتميّزُ هذه القصيدة بوضوح معانيها ويسرها, فهي في الأعم الأغلب بينةٌ معروفةٌ, بل قريبة مألوفة, لاتستغلق على الفهم, وتكثر فيها الألفاظ الجزلة الفصيحة, وتتّسم تراكيبها بالمتانة والسلاسة, فهي تخلو من التعقيد والوعورة, ويغلبُ على صورها أنَّها تقوم على التشبيهات المعروفة والسيوف, شأنَّها في ذلك شأن الصور في شعر العرب, وهي تشبيهات مستمدةٌ من مكونات الطبيعة المختلفة.
ولمحمد العيد أيضا قصيدة " هيجت وجدي " التي يردُّ فيها عن رسالة شعرية وجّهها إليه الشاعر الجزائري الشيخ أحمد سحنون سنة 1948 م, وهي في معظمها حماس وتضامن مع فلسطين, وتَهديد ووعيد للصهاينة, فيقول :
قُلْ لابْنِ صَهْيونَ اغْتَرَرْتَ فَلا تَجُرْ إنَّ ابنَ يَعْرُبَ نـاهِضٌ لِلَّثأرِ أعْرَضْتَ عنْ خُطَطِ السَّلاَمِ مُولِّيا فَوَقَعْتَ مِنْهَا في خُطُوطِ النَّارِ لاتَحْسبَنَّ بِأنَّ صُبْحَـكَ طـالِعٌ فالْبَدْرُ وَيْحَكَ خادِعٌ للسَّارِي سَتَرَى أمـانِيكَ التي شيّـدْتَهَـا مُنْهـارةً مَعَ رُكْنِكَ الْمُنْهـَارِ القُدْسِ لابْنِ الْقُدسِ لاَ لِمُشَـرَّدِ مُتَصَهْينٍ ومُهَـاجِرٍ غَــدَّارٍ يالَجْنَةَ التَّقْسِيمِ حِدْتِ عَنْ الْهُدَى وسخَرتِ مِنْهُ فَبُؤْتِ بِالإنْكـارِ القِبلَةُ الأولى التي استَصْـغَـرتِها هي لِلْعـُروبة قِبْلةُ الأنْظــارِويسير في هذا الاتجاه شاعر آخر من شعراء الجزائر, وهو محمد جريدي الذي كتب قصيدة شعرية يعالج فيها قضية فلسطين أيام النكبة, ويكاد ينفرد عن بقية الشعراء الجزائريين - الذين كانوا يعيشون يومئذ تحت سيطرة ورقابة ومطاردة الاستعمار الفرنسي البغيض - باللهجة الحماسية التي عالج بِها القضية " إنَّه وهو يعتلي المنبر مستنفرا ومستصرخا, لا يستنفر الشعب العربي في الجـزائر, بل الشّعب العربي في كل قطر, ولا يكتفي بالتهديد الأعزل وهو يواجه الصهيونية, ولكنَّه يطلق الأوامـر الصارخة وهو يستَثير الشعب العربي, ولا يرضى بالتغمة التقريرية المائعة, ولكنَّه يعمد إلى الومضـات التعريضية الجـارحة, مستمدا لها من شرف العروبة وقدسية الإسـلام كل عناصر التأثير" , فيقول :
أَيَا شَعْبُ جـاهِرْ بالقِتالِ عَلَى العِدَا فَلَمْ يَبْقَ في دَفْعِ الْمَظَـالِم كِتْمـانُ فَلَـوْلاَ التهابُ العُنْصُرية في الْحَشَا لَمَا استَفُحَلتْ صَهْيون وانْدَاسَ عُربَانُ فَوا عَجَبًا مِنْ قِصَّةِ الأُسْدِ, قَدْ غَدَتْ يُهَاجِمُهَـا في الْمَرْبَضِ اليَوْمَ خِرْفـانُ تَنَمَّرَ كُفَّـارُ (الكَلِيم) كَـأنْ لَمْ يَنُص لَنَـا عَنْ ذُلِّـهِم قُرآنٌ قُرْآنُ وبدأت الحرب عام 1948 م, ودخلت الجيوش العربية إلى فلسطين, وهبَّ الشعب الجزائري يناصر فلسطين, ففتح باب التطوع لتحريرها, ونظمت الحملات لجمع التبرعات لمساعدة الثوار, ومقاطعة البضائع اليهودية, وأنشئت بعض اللجان للدفاع عن حقوقها, ورغم الحواجز التي كانت تفصل الجزائر عن المشرق العربي, وعن فلسطين بالذات, كانت قلوب الجزائريين تخفق بحب فلسطين ومشاعرهم متألمة تحمل من الاشفاق على الشعب الشقيق بقدر ما تحمل من الإعجاب ببطولات المجاهدين. " ولا نقول جديدًا اذا ما سجلنا بأنَّ الكثيرين من الشعب الجزائري أثناء هذه الحرب خرجوا يَمشون على الأقدام محاولين تخطي هذه الحواجز, فمنهم من وصل, ومنهم من تلقفته سجون الاستعمار ومعتقلاته بليبيا تحت الحكم الإيطالي, أو في سجون تونس والجزائر تحت الاستعمار الفرنسي, قبل أن يصلوا إلى فلسطين ".
وقد شبَّه الشاعر محمد جريدي هؤلاء الجزائريين الذين لم يتمكنوا من تخطي هذه الحواجز والوصول إلى فلسطين للمشاركة في المعاركة المقدسة بالبنوة التي ترى الأمومة ملطخة في دمائها ولا تملك إلى نصرتِهَا سبيلا, قيلتمس الشاعر المغفرة من الأم الجريحة فلسطين لأبنائها في الجزائر, فيقول :
فَلَسْطينُ, إنِّي الابْنُ والابْنُ طائِعُ فَهَا أَنَذَا أعْصي, فَهَلْ فيكِ غُفْرانُ فَإِنَّ صُدُودِي عَنْ حِمـَاكِ جِنَايَةٌ وَإِنَّ قُعُـودِي عَنْ فِدَاكِ لَعِصْيانُ فَلَسْطينُ, لا تَأْسى لَغَيْبِي فَـإِنَّني وَإن غِبْتُ, بِالحِرْمَانِ مِنْكَ لاسيانُ وَإنْ فَقَدَتْ رِجْلي رَكَائِبَ لِلْفِدَا فَلَيْسَ لإحْسَاسِي وشِعْري فُقْدانُ فَـإِنَّ إِذَا رُمْنَا لِأَرْضِـكِ سفْرةً يُعـارِضُنَا بِالْمَنْعِ والرَّدْع ِ طُغْيانُ وإِنْ رامَ صهيـونُ لِغَزْوكِ هِجْرةً تُفْتَحُ لَهُمْ في الْجَـوِّ والْبَـرِّ بِيبَانُ فَها هُوَ إيِمَانِي فِـداكِ ونَخْـوتي فَمَاذَا عَسَى يُجْدِيهم فِيكِ حِرْمانُ وَهَمُّكِ هَمِّي يَا فَلسْطِينُ فاصْبري فَإنَّ اهْتِياجَ الْمَوْج تُفْنِيهِ شَطْـآنُ ولَسْتُ لِبَحْرِ الظُّلِم إلاَّ شَواطِئًـا وَلَيْسَ لِمَوْجِ الظُّلِمْ بَعْدَكِ طُغْيانُ أمـا شاعر الثورة الجزائرية, وشـاعر وحـدة المغرب العربي الكبير والأمة العربية مفدي زكريا, فقد اعتبر العدوان على فلسطين اعتداء على العروبة كُلّها, وضياع فلسطين مسؤولية العرب جميعًا - لا الفلسطينيين وحدهم - فقد باعوها وانحدروا بِهَا للهاوية وهم في غمرة سكر, ففي الذكرى الثالثة عشر لتقسيم فلسطين كتب قصيدة شعرية طويلة بعنوان : " فلسطين على الصليب " في شكل حوار بين الشاعر وفلسطين والعرب, وسنلاحظ بوضوح " الصراحة الجارحة, والنقد اللاذغ الهادف إلى تصحيح الأخطاء, ويطغى عليه أسلوب التحليل واستقراء الأوضاع, وتحديد الأسباب, وإقتراح الحلول بعيدًا عن ترديد الشعرات الرنانة الجوفاء " يقول :
أُناديكِ, في الصَّرصَرِ العاتِيَهْ وبَيْنَ قَـواصِفِها الذّارِيَـهْ وأَدْعـوكِ, بَيْنَ أزيزِ الوَغَى وبَيْنَ جَمـاجِمِها الجـاثِيَهْ وأَذْكُر جُرْحَـكِ, في حَرْبِنَا وفي ثَوْرةِ المغربِ القـانِيَهْ فَلَسْطِينُ.. يا مهبـطَ الأنْبيأ ويا قِبْلَةَ العُـرْبِ الثـانِيَهْ ويا حُجَّـةَ اللهِ في أرْضـِه ويا هِبَة الأزَلِ, السـامِيَهْ فَلَسطينُ.. والعُرْبُ في سُكْرَةِ قد إنْحَدَرُوا بِكِ لِلهاويَهْ ! رَمـاكِ الزّمـانُ بِكُلّ لَئيمٍ زَنيمٍ, مِنَ الْفِئَةِ البـاغِيَهْ وَصَبَّ بِكِ الغَرْبُ أقْـذَارَهُ وَرِجْسَ نِفَايَاتِهِ الْبـاقِيَهْ وحَطَّ ابنُ (صهيونَ) أنْـذَالَهُ بِأَرْضِكِ, آمـِرةً نـاهِيَهْ ويستطرد الشاعر في تسليط الأضواء على ما آلت إليه فلسطين " فقد انقلبت الأوضاع, وذل العزيز, وعزَّ الذليل, و أصبحت فلسطين تبكي, وما يبكيها إلاَّ الذين كانوا قد اتخذوا حائطا يتباكون فيه ويستدرون عطف الناس " :
بكيتِ, فَلَسْطِينُ, في حَائطٍ بِهِ - قَبْلُ - قَدْ كانتِ الْبَاكِيَهْ فَيالَكَ مِنْ مَعْبَدٍ نَجَّسـُوا حنَـاياهُ بِالسُّـوْءَةِ البـادِيَهْ وَيَالَكَ مِنْ قِبْلَةٍ كَدَّسـُوا بِمِحْـربِهَا الجيفَ البـالِيَهْ وَيَالَكَ مِنْ حَـرمٍ آمِـنٍ جيَّاعُ ابنِ آوَى بِهَا عَـاوِيَهْ
ولَمَّا تحدَّث الشاعر عن مأساة فلسطين, حمَّل العربَ مسؤولية ضياعها - على لسان فلسطين - يقول :
لَقَدْ كـانَ لي سَبَبٌ لِلْبَقَـا فَقَطَّـعَ قَـوْمي أسْبـابِيَهْ ورُحْتُ أُبَاعُ, وأُشرَى كَمَا كَما تُباعُ لجزارها الْماشِيَهْ وأُشْنَقُ في حَبْلِ مُسْتَعمِري وَأُصْلَبُ في كَفِّ جَـلاَّدِيِهْ وفَرَّقَنِي (الخُلْفُ) أيْدِي سَبَأ وشَتَّتَ في الأرْضِ أوصالِيَهْ فأَصْبَحْتُ أرْسُفُ في مِحْنَتِي وقَومِي - عن مِحْنتي- لاهِيَهْ وَفِي سُكْرةِ ضَيَّعُوا عِـزَّتِي وَلَمْ يُغْـنِ عَنّي سُلْطـانِيَهْ فَـلاَ أَنَا حَقَّقْـتُها بِيَدِي وَلا سَلَّحَ العُـرْبُ أَبْنَائِيَه والقصيدة طويلة تقع في تسعين بيتًا, وآخرها تفاؤل بالنصر بشرط أنْ يعتصم العرب جميعا بحبل الله ولا يتفرقوا, فهو يعد بنصر من ينصره, ولن يُخْلفَ وعده, ولا ريب أنَّ ساعة النصر آتية لا محالة, حيث يقول في آخر القصيدة :
فَإِنْ تَنْصُروا اللهَ يَنْصُرْكُمُ ويُنْجِزْ أَمَـانِيكُمُ الْغالِيَهْ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ مِيعَـادَهُ وَلاَ رَيْبَ... ساعَتُنَا آتِيَهْ ولمفدي زكرياء أيضا قصيدة طويلة في تسعة وأربعين بيتا موسومة بـ " الله من سيناء كلم يعربا - إلى فلسطين الذبيحة " يخاطب فيها ضمائر العرب بعد أن خاطب عواطفهم, وبين لهم انكشاف الزيف, ويعري لهم عن طبيعة هذا الخصم العنيد الذي لا يفقه إلا لغة الرصاص:
صَرَخَ الضَّميرُ, وَرَجّتِ الأقـدار وانْقَضَّ مِنْ عَـدْلِ السّماء قَرارُ وقَضَى الرَّصَاصُ تَبـاركَتْ كَلِماتُهُ وَمَضَى القصَاضُ, وَهَانَتِ الأعْمارُ والله مِنْ (سيـنـاءَ) كَلَّمَ يَعْرُبَـا فَتَمَاوَجَتْ لِنِـدَائِـهِ الأحْـرَارُ والنّارُ, في الوادي المُقَدّسِ مَا انْطفَتْ يَا قَوْمَ مُـوسَى بَعْدَ مـُوسَى النَّارُ والْعَـارُ تَغْسلُه الدِّمـاءُ زكِـيّة أَمَا كَسَـا شرَفَ العُـروبةِ عَـارُ يـا قِصَّةَ الآبَـاءِ, لَيْسَ بِخَـالِدٍ في الكْونِ شَعْبٌ يَكْتَسِبُهُ صِغـارُ الْمَـوتُ أَشْرَفُ مِنْ حَياةٍ تُسْتَبَى فِيهَا الرِّقـابُ, وتُسْتَباحُ دِيـارُ لقد حشد الشاعر في هذه القصيدة صورا كثيرة, الهدف منها التحريض والتحفيز على قتال اليهود الذين اعتدوا على فلسطين ظلما وعدوانا بعد ان تاهوا في الأرض أربعين عاما كما ورد في القرآن الكريم, يقول :
ولِتَخْسف الأرضُ الجَريحةُ بالأولَى لَمْ يَأْوِهِم في الْعالَمِينَ قَـرارُ لَفَظَتْهُمُ الدُّنْيـا, فَجُمع رجسُهُم كَشهَادةِ عَنْ زُورِه اسْتِعمارُ ذهَبَ الأصيلُ عن الدَّخيلِ ضَحيةً وأُقِيمَ دونَ اللاَّجِئينَ جِدَارُ وغَدَتْ سَمَاسِرَةُ الظَّلام تَسُومُها مَا شَاءَهُ التُّجـارُ وَالسّمارُ وَغَـدَتْ فَلَسْطينُ الذَّبيحَةُ دَمْنَةً في قُدْسِهَا, تَتَراكَمُ الأقْذارُ فَكَـأنَّهَا بِيَدِ القَـويّ بَيـادِقُ وَكأنَّ أَقْدارَ الشُّعوبِ قِمارُ وَكَـأنَّ (مَجْلِسَ أمْنِهَا) سُخْريةٌ مَفْضوحَةٌ وَقَـرارُهُ اْسِتهْتارُ يَـا غَضْبَةَ الأجْيَالِ, صُبِّي لَعْنةً يَصْعقُ بِهَا الْمُستَعمِرُ الغدَّارُ ويختم القصيدة بتقديم النصيحة لأبناء الأمة العربية كافة, يدعوهم إلى الجهاد والى حمل السّلاح والمشاركة الفعلية في الحرب ضد عصابات الاستعمار الصهيوني البغيض, ولكي يُثيرَهُم أكثر لنصرة دين الله ولتطهير مقدساتِهم من جرّاء ما لحقها من هذه العناصر الغريبة والممقوتة التي تسلّلت إلى صميم قلب الإسلام وراحت تعبث فيه, طفق يشيد بالرعيل الأول من المسلمين الذين حاربوا الكفار في معارك مختلفة في بدر وفي القادسية وفي غيرهما وانتصروا عليهم, وينوّه بشجاعة أبناء المغرب العربي الذين انتصروا حديثا على الاستعمار الفرنسي البغيض بفضل إيمانِهم الصارم بقضيتهم, فلم لا نستفيد من تجاربِهم إذن ؟, يقول :
يَا أَيُّهَا العُـرْبُ الْكِـرامُ كَـرَامَةً فَالأَمْـرُ جِـدُّ وَالْحُظوظُ كِبَارُ اللهُ أَنْجَزَ وَعْـدَه هَـلْ تُنْجِـزُوا؟ وَهَلِ العَـدُوُّ أَمـامَكُم يَنْهارُ؟ سُوقُوا عِصَاباتِ الضِّباع فَلَمْ يَكُنْ يَخْشَى الضِّبَاعَ الضَّيْغَمُ الْهُصارُ! إِنْ يَسْـُط ذِئبُهُم وَنَحْنُ جَمـاعةٌ إِنَّا إذَنْ في الأرْذَلينَ خَـسَـارُ في القـادِسِيةِ خـالِدٌ نَـاداكُم ومِنَ الْحِجَـازِ مُحَمّد المُخْتـارُ ولِـواءُ سَعْدٍ رَفَّ فَـوْقَ جُيُوشِنَا فَكَـأنَّمَا هُو جَيْشُهُ الجَـرَّارُ ورَعيلُ بَدْرٍ صَـاحَ فِيْنَا بَـادِرُوا إِنَّ الجهـادَ بَراعةٌ وَبـدارُ الْمَغْربُ الْعَـرَبيُّ أخْلَصَ لِلّنِـداءِ فَتَعَزَّزَتْ بِجُيوشِـه الأنْصـارُ شَعْبٌ تَمَرَّسَ بِالِكفـاحِ, فَلَمْ تَنلْ مِنْهُ السِّنُـونِ وَلاَ ثَنَاُه عثـارُ صَهَرَتْه مَعْرَكَةُ الْفِـدا, وَعَقيدةٌ عَرَبيةٌ, والأَطْـلَسُ الْجَبَّـارُ أوْراسٌ عَلّمَتِ الجِهادَ أُسُـودها وَسَمَا بِبَنْزَرتَ الْفَتَى المِغْـوارُ هَذي الجُموعُ الزَّاحِفاتُ طَـلائِعُ فِيهَا الْجهـادُ عَقيدَةٌ وَشِعَـارُ قَـدْ أَقْسَمَتْ ألاَّ تَعـودَ لِدَرْبِِهَا حَتَّى تَعـودَ لِقُدْسِهَا الأبْـرارُ وَتَرَى فَلَسْطِينَ الذَّبيحَـةَ حُـرّةً لا يَسْتَبِدُّ بِأَمْـرِهَا الأشْـرَارُ وَجَبينُ يَعْـرُبٍ مُشْرِقٌ مُتَوَهّـجٌ وعَلَيْهِ مِنْ شَرَفِ الْبُطولَةِ غَارُ غير أنَّ بعض الشعراء الجـزائريين كانوا يقرنون قضية فلسطين بالثـورة التحريرية بالجـزائر, لأنَّ انتصار الجـزائر هو انتصار لفلسطين وللعروبة جميعا, وهزيْمَة المستعمر في هذا القطر تحمل له الهزيْمة في كل مكان, والنصر المتوقع في الجزائر سيتبعه نصرٌ آخر في فلسطين, لأنَّ ابن الجزائر بعد النصر في بلاده سيولي وجهه شطر فلسطين ليلبي نـداء (حيفا ويافا) وهو المعنى الذي عبّر عنه الشـاعر صـالح خرفي في قصيدته (العيد الجريح) التي القـاها في المهرجـان الشعر الثـاني بدمشق سنة 1960 م.
فَكَـأنّي, بابنِ الْجَـزائِرِ وَفّى شَوْطَهُ في غَدِ, وَ أَنْهَى الْمَطَافَا ثُمَّ وَلَّى لِمَشرِقِ الشّمْسِ وَجْهًا لُيُلَبِّي نِـداءَ (حيفَـا وَيَافَـا) جَيْشُنَا جَيْشُكُمْ فَمَا طَارَ صَوْتٌ عَرَبِيٌّ إلاَّ وَطِرْنَـا خِفَافَـا جُرْحُـنَا مُثْخَنٌ, وَلِكْن سَيَغْدُو في سَبِيلِ الإخَاءِ جُرْحًا مُعافَى لَنْ نُطيقَ السَّـلامَ يَومًا وَشِبْرُ عَرَبِيٌّ عَنِ الْكَـرَى يَتَجَـافَى
وتعانقت الجزائر وفلسطين عناقًا يستمد حرارته من حرارة الحرمان الذي مُني به الشعبان, الجزائري والفلسطيني, فكانت الثورة الجزائرية انطلاقا لكل هذه المشاعر الجريحة في فلسطين وفي الجزائر, وتلاقى المبعدان عن وطنهما لقاء الغريب بالغريب, تلاقى الجزائري والفلسطيني في أكثر من نقطة في الوطن العربي, فكان لقاء الثَّأْرِ بالدم المهدور, لقاء الانتفاضة بالكرامة الجريحة, لقاء العودة للوطن الثائر, والوطن المتأهب للثورة تلاقيا على قمم الأطلس وسفوحه لقاء الثورة الزاحفة, ووضعت اليد في اليد, وتنادت الآمال وتجاوبت الجروح. ولأنَّ الشاعر صالح خرفي قد عاش أحداث الثورة التحريرية في الجزائر, وعاش لحظات الرُّعب والإرهاب, وتابع عن كثب مأساة الشعب الفلسطيني الشقيق منذ الانتداب والاستعمار الصهيوني لفلسطين, فأملت عليه هذه الأحداث عديد الصور التي حفلت بِها مقطّعاته الثلاث المدرجة في هذا البحث, ومنها هذه المقطعة التي هي من قصيدة بعنوان (الجُرح المتجاوب) :
يَا أَخِي في خيامِ غَـزَّةَ في قِمّة (شليا), جُروحُنا تتنَادَى نَحْنُ قُرْبانٌ مُدلِجٌ يُنْشِدُ الْفَجْـرَ فَكُـنَّـا لَهُ مَـنـارًا وَزَادَا رَعْشَةُ الضّوءِ في سِراجِكَ يَاصَاحِ أضاءتْ لَهُ الرُّبَى وَالوِهَـادَا ومِنْ الآهَـةِ الْحَزِينةِ وافَـتْـهُ مِنَ الْعِـزّ نَغْمَةٌ تَتَهَـادَى إِنَّنَا نَزْرَعُ الـوُرُودَ عَلَى الدَّرْبِ وَنَجْني مِنَ الوُرُودِ الْقَتـادَا
فلا عجب أنْ تقرن الجزائر بفلسطين, وتربط معركة فلسطين بمعركة الجزائر, في فترة خانقة لم تزل فيها معركة الجزائر هي الأخرى في كفة القدر, ولكنه الإيمان بالمصير المشترك, لان الشعوب العربية استحالت والى الأبد, شعبا موحدا, مزجت العروبة بين أقطاره في لغة واحدة وحضارة واحدة, وقد أشار صالح خرفي إلى هذا المصير المشترك بين القطرين الشقيقين الجزائر وفلسطين لتعدد أوجه التلاقي والتكامل والتمازج, وبخاصة في الكفاح المسلح ضد الاستعمار الغاشم :
قَـدْ خُلِقْنـا أَنَـا بِقمَّةِ (شليا) مُسْتَنيرًا بِفَوهَةِ ذاتِ وَقْـدِ وبخَطِّ الهُجُـومِ أَنْتَ, خُلِقْنَـا يا أَخَا الثَّأر مِنْ هُنَا لِلتَّحَدِّي فَاْتُركِ السِّلْمَ لِلْوجُـودِ, وَللِنَّار خُطانَـا, فسلّمْنَـا رَفْعَ بَنْدِ يا فَلَسْطِينُ, إنْ لَمَحْتِ قَتَامَـا فَاعْرفِي أنَّنِي وَفَيْتُ بِوَعْـدِي أمَّا الشاعر أحمد سحنون, فقد تأثر هو الآخر بفكرة تقسيم فلسطين من قبل الأنجليز بين الصهاينة والعرب سنة 1947 م, تنفيذًا لمؤامرة صهيونية بريطانية, فكتب قصيدة شعرية بعنوان فلسطين يحذِّرُ فيها الفلسطينيين من قَبوُلِ هذا التقسيم, ويدعوهم إلى الثورة, يقول :
فَداكَ الْعِدَى لا تَقْبلي قسْمةَ الْعِدَى ولِلْمـوتِ سِيرِي لاَ تَبِيتي عَلَى ذُلِّ ولاَ تَحْفَلي بِالنَّاسِ إنْ جَارَ حُكْمُهُم عَلَيْكِ فِـإنَّ اللهَ يحكُـمُ بِالْعَـْدلِ وخَلْفَكِ جَيْشٌ مِنْ بَنِي الْعُربِ رَابِضٌ ليُبْعِدَ عَنْ أرْضِ الْهُدَى عَابِدى العجل لَقَدْ جدّ جدُّ العربِ فَاقْتَحِمُوا الْوَغَى وَلا تَدْفَعُوا جِدَّ الحَـوادثِ بِالْهَـزْلِوقد ختمها بنداء إلى أغنياء المسلمين والى شعراء العرب ليقفوا إلى جانب القضية الفلسطينية... حيث يقول:
وَيَـا أَغْنياءَ الْمُسِلمينَ تَسابَقُـوا إلى الْبَذْلِ والإيثَار ذي سَاعَةِ الْبَذْلِ ويَا شُعَراءَ الضَّادِ حُثُوا شُعوبَكُمْ بِشِعْرٍ يُـداوِيهَا مِنْ الْجُبْنِ وَالبُخْلِ فَمَا الشِّعرُ إلاَّ ثَـوْرةٌ غَيْرَ أنَّهَا تَصُولُ بِلا كَفٍّ وَتَسْعَى بِلاَ رِجْلِ ولأحمد سحنون قصيدة أخرى بعنوان " شباب محمد " يتحدَّثُ فيها عن الشباب العربي, ويركّز على الإيمان, ويربط بينه وبين استرداد فلسطين, وأنَّ الإيمان بالقيم الإسلامية هو السبيل إلى المحافظة على فلسطين, وفي القصيدة إشادة بأخلاق العرب وشجاعتهم, وَلَمْ يَنْسَ أخلاق الصهاينة الذين سخر منهم ونعتهم بالذباب, فيقول :
لَقَدْ شَبَّتْ بِأَرْضِ الشَّرْقِ نارُ لَهَا في الْقِبْلَة الأولى الْتِهَابُ وأَنْتُمْ خَيْرُ مَنْ خَاضُوا لَظَاهَا فكَيْفَ يَروعكُم هذَا الذُّبابُ سَيَغْدُ والمُوقِدُونَ لَهَا وُقُودَا ومَنْ رامَ الخَرَابَ له الْخرَابُ وهناك شاعر آخر أريد أن أضيفه إلى هذه الأسماء وهو الربيع بوشامة, يسير في الاتجاه نفسه, اتجاه قضايا النضال وقضايا الثورة, وقد استنكر هو الآخر تقسيم فلسطين, فخاطب العرب متسائلا : " ماذا يرجون بعد الذي جرى ؟ ووضعهم أمام أمرين لا ثالث لهما إما أن يقاتلوا من أجل الشرف والعزة و إمَّا أن يتقبلوا العيش الحقير, ويصرخ الشاعر في وجه العرب الذين يرضون بطمأنينة العيش, بينما فلسطين صارت قطعة من جحيم, ويدعوهم إلى نصرتِها " , يقول :
أيُّهَا العربُ أمّة الْمَجدِ والْعَلْـ ياءِ مَاذَا تَرْجُونَ غَيْر التَّفَـانِي إنَّهُ الْمَوْتُ فِي الْكَرامَةِ والْعِـ زِّ, أو الْعَيْشُ في الشَّقا والْهَوانِ كَيْفَ تَرْضَوْنَ عَيْشَ أَمْنٍ وَخَيْرٍ وَفَلَسْطينُ في الْجَحِيم تُعَـاني فانْهَضُوا لِلْفِدَا وَلَبُّوا سِرَاعًـا دَاعِي الله مِنْ سَمَا الأكْوَانِ وفي قصيدة أخرى بعنوان " صوت الجهاد " يدعو فيها الشباب العربي إلى الجهاد والكفاح لاسترجاع فلسطين المغتصبة, حيث يقول:
فَتَى الْعُربِ هيّا فَلَبِّ النِّدَا وَلاقِ الْمنَايَا بِسـاحِ الْفِـدَا فَلسْطِينُ في النّار نَهْبَ الْعِدَا تُنَادِي الْجِهادَ الجهَادَ الْجِهَادَ وعلى غراره ينسج الشاعر موسى الأحمدي, قصيدة بعنوان " فلسطين تناديكم للجهاد ", ويسير في الاتجاه الثوري, فيتغنى بفلسطين وبعروبتها ويشيد بكفاح أبنائها, ويدعو للجهاد, ويتجلى ذلك في هذه الأبيات المفعمة بنفس الثورة وبشجونِها, فيقول :
فَلَسْطينُ نَادتْكُم لِلْجهاد فَلَبُّـوا النِّـدا يا حُـمـاةَ البِلاَد وهَبُّوا جَمِيعًا سِراعًا إلى حِمَى يَعْـُربٍ وانْفِـرُوا للِطِـراد ومَدُّوا النُّفوسَ إليها فِدَى فَتِلْكُمْ - بَني الْعُربِ - أرْضُ الْمَعَاد أمَّا الشاعر محمد بوزيدي فقد رافق القضية الفلسطينية في جميع مراحلها وأطوارها, وكان يستغل كل مناسبة لتأييدها وتمجيدها على نحو ما وَرَدَ في قصيدته الموسومة بـ"جيش العرب ينتصر" وقد أُلْقيت في الإذاعة الجزائرية في بدء معركة جوان 1967 م, وبعثت الجزائر فيالق وعتادًا ضخمًا للمشاركة في المعركة, وألقى الرئيس الجزائري هواري بومدين خطابا يحث فيه الجيوش العربية على مواصلة المعركة حتى النصر أو الاستشهاد, يقول الشاعر :
اللهُ أكْبَرُ جَيشُ الْعَربِ يَنْتَصِر على الطُّغاةِ, وجَيْشُ الْغَدرِ يَنْدَحِر وَقَدْ أَطَلَّتْ عَلَى (يافا) فَيالِقُنا مِثْلُ العَمالِقِ, مِثْلُ الرَّعْـدِ تَتَفَجُّر للثَّأْرِ سارَتْ مَعَ الأحْرارِ صَاعِقَةٌ لِلنَّصْرِ عـاصِفَةٌ, تَغْـُزو وَتَنْتَشِر يا فَرْحةً حَضَرتْ للعربِ غـالِيةً عِشْرونَ عامًا وجَيْشُ الْعَربِ يَنْتَظر فالْيَوم مَوْعِدُنَا صهيون نُحَطِّمُها في تَل أبيبِ, وجيش الْخَصم يَحْتَضر
وفي 30 جوان 1967م وقف الشّـاعرُ نفسه يخـاطب الفلسطينيين بقصـيدة موسـومـة بـ "الفلسطيني ", وقد توحدت نبرة الشاعر بنبرة الشعب الفلسطيني كله, حيث قال :
لاَ تودِّعْني وَقَدْ حـانَ الْوَداعُ واجبُ العُرْبِ يُنَادي لِلّدِفَاع ألْهِبِ الْمَيـدانَ نـارًا تَتَلَظَّـى حَرِّرِ القُدْسِ وأَقْداسَ الْبِقاع لاَ تَقُلْ سالتْ دُمُوعِي خَوْفَ ثَكْل إنَّمَا دَمْعي يُنَادِي الْقُدْسَ ضَاع فَإِلى الميـدان يَـا أَغْلى حَبِيبٍ لاَ تُفَكِرْ في الثكالى والجيـاع لَمْ يَعِشْ في الْمَجْدِ مَنْ كَانَ جَبَانَا إنَّما الْمَجْدُ لِمَنْ بِالرُّوحِ باع وفي شهر أوت (آب) من سنة 1974 م انعقد المؤتمر الثالث للطلبة الفلسطينيين في قصر الصنوبر بالجزائر, وفي اختتام المؤتمر ألقى الشاعر قصيدة شعرية بعنوان " طعنة الغدر " وتقع في أربع وثلاثين بيتا, مطلعها :
مِنْ صَمِيمِ الْبَدْءِ مِنْ غَيْبِ السَّماء أَنْتَ وَحْيُ اللهِ أرْضُ الأنْبِياء وفيها يقول :
أرْضُ قُدْسِي أرْضُ عَدْنَانَ وإنّي مِنْ تُرابِ الْقُدْسِ عَظْمي وَدِمَائِي مِنْك لَحْمِي يَا فَلَسْطينُ وَرُوحِي أنَا جُـزْءٌ مِنْك يا أَرْضَ الضّياء يَا فَلَسْطينُ أَرَاك الْيَومَ حَـرْبًا وَصُمودًا حَوْلَ أَقْدَاسِ اللّـواء وآخرها قوله:
فَابْعَثُوهَا مِنْ جَدِيدٍ أَرْضَ عُرْبٍ يَسْطَعُ الْقُدْسُ بِنُورِ الأنْبِياء
وهناك شعراء آخرون نسجوا على نفس المنوال, فتغنوا بفلسطين, وبعروبتها, وأشادوا بكفاح أبنائها, أمثال : أحمد الطيب معـاش, وعبد الكريم العقـون, ومحمد الأخضر السـائحي, ومحمد أبو القاسم خمار, وعمر البرناوي, وغيرهم. | |
|