قائد مجاهد ورمز من رموز المقاومة والحرية والكرامة.. أذل أعناق المحتل الإيطالي البغيض بنضاله الدؤوب وكفاحه المستمر.. دفع دماءه الطاهرة لتحرير أرضه المحتلة من براثن المعتدي الغاصب.. إنه الشهيد -بإذن الله- "عمر المختار".
عمر المختار.. الذي تسابق الشعراء في وصف بطولته وصبره في مقاومة الاستعمار، والذي سميت باسمه الكثير من الميادين والشوارع والمدارس والجامعات في ليبيا وخارجها ليورث للأجيال ويغرس في نفوسهم حب الوطن، وليحكي لهم عن إباء الشعوب ومقاومتها لاضطهاد الاستعمار وبشاعته وقسوته.
عندما يتم الحديث عن جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي البغيض فإن أول ما يتبادر للأذهان هو ذلك الزعيم المجاهد؛ فهو القائد للمجاهدين والمنظم لصفوفهم، وقد كان وما زال رمزاً للحرية والوطنية والإباء ورفض الاستعمار والمقاومة المستميتة لدحر الغاصب المحتل.
ولد "عمر المختار" وتربى تربية البدو في مضارب قبيلة "المنفة" وقبيلته هذه من قبائل المرابطين، الذين عرفوا تاريخياً برباطهم على ثغور دار الإسلام وحمايته.. تلقى تعليمه الأول على يد كبار علماء ومشايخ السنوسية؛ فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
ظهرت عليه علامات النجابة ورزانة العقل؛ فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه "السيد المهدي السنوسي" مما زاده رفعة وسمواً؛ فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه "لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم".
ببدء القصف الإيطالي للمدن الليبية والنزول على السواحل، أعلن التعبئة والنفير في رسالة حثتهم على الجهاد والتصدي للصليبية الأوربية وأنذرت كل متقاعس أو متعاون مما أثر في نفس "عمر المختار" وكان في الخمسين من العمر؛ فانطلق في استنفار القبائل؛ فنادى بالجهاد بين القبائل.. مثل قبيلة "العبيد أثمر وأينع" فلبت هذه القبيلة نداء الجهاد؛ فزحفت بقضها وقضيضها إلى الخطوط الأمامية مع سائر القبائل وقاتلوا قتال الأبطال.. واستمر "عمر المختار" في سجال مع الطليان تارة في برقة البيضاء وتارة في الجبل الأخضر.
في 11/9/1931م، وبينما كان الشيخ "عمر المختار" يستطلع منطقة "سلطنة" في كوكبة من فرسانه عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه؛ فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي "بوطاقة" ورجحت الكفة للعدو؛ فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن.. قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده مما شل حركته نهائياً؛ فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه؛ فسرعان ما حاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته؛ فنقل على الفور إلى "بنغازي" حيث أودع السجن الكبير، ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.
عُقِدَت له محكمة هزلية صورية في 15/9/1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم "بالإعدام شنقاً حتى الموت "وعندما ترجم له الحكم؛ قال الشيخ: "إن الحكم إلا لله" لا حكمكم المزيف.. إنا لله وإنا إليه راجعون..
وفي صباح يوم: الأربعاء 16 /9/ 1931م وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً سلم الشيخ إلي الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشاراً بالشهادة وكله ثبات وهدوء، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه أنه كان يأذن في صوت خافت آذان الصلاة، والبعض قال أنه تمتم بالآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية" ليجعلها مسك ختام حياته البطولية؛ فوضع حبل المشنقة في عنقه, وبعد دقائق صعدت روحه الطاهرة النقية إلى ربها تشكو إليه عنت الظالمين وجور المستعمرين.