[color=white]عدسة العين تقتل نفسها لتحقق وضوح الرؤية
-------------------------------
إن عدسة العين شفافة لسببين: أولهما طبيعة تركيبها الهندسي، والآخر برنامج نموها غير العادي. تصطف خلايا عدسة العين الكاملة النمو في ترتيب منتظم يحول دون تبعثر الضوء (الشكل في اليسار والأشكال الميكروية في أقصى اليسار). وتصبح هذه الخلايا خالية من المادة المانعة لمرور الضوء خلال مرحلة النمو (يسار، السفلي)، وذلك بشروعها في برنامج انتحار تنحل فيه المكونات الداخلية للخلايا غير أن هذا الانحلال يتوقف قبل الموت الفعلي للخلايا.
تطور عدسة العين
يبدأ تطور العدسة في المرحلة الجنينية المبكرة عندما تتمايز الخلايا الجذعية غير المتمايزة المبطنة للحويصل الكروي ( 6 ) (في أعلى اليمين) إلى خلايا العدسة التي تهاجر عبر هذا الجوف (في أسفل اليمين). وبعد تشكل هذا اللب يتمايز المزيد من الخلايا الجذعية بالتطاول حول الحافة الخارجية مضيفة طبقات تلو طبقات، كما في طبقات نبات البصل (في الأعلى). وبداية تحتوي هذه الخلايا على نواة وميتوكندرات (متقدرات) mitochondria وجهاز شبكي إندوپلازمي وعضيات نمطية أخرى. لكن حالما تحاط هذه الخلايا بخلايا جديدة، فإنها تفقد عضياتها كاملة باستثناء غشاء خارجي وسائل كثيف من پروتينات معينة تدعى البلورين (الكريستالين). وهذه المادة المتشكلة والتي بالكاد يمكن اعتبارها حية، ذات قرينة انكسار خاصة تمنع الضوء من التبعثر.
وبالإمكان مشاهدة مظاهر هذه السيرورة في مراحل تطور العدسة (في أسفل اليمين). وفي العدسة المكتملة النمو تقريبا لدى الفأر (في أسفل اليمين) تتمدد الخلايا الجديدة عبر المنطقة الاستوائية للعدسة، وتنتقل للداخل، في حين تأتي خلايا جديدة لتغطية تلك الخلايا القديمة. وتهاجر نوى الخلايا (اللون الأحمر) إلى الأسفل، وتبقى لفترة وجيزة لكنها تتحلل وهي تندفن.
وتتحلل نواة العدسة النامية خلال أيام (في اليسار)، حيث يتحلل الغلاف النووي والدنا DNA بالترادف.
تصطف الطبقات الخلوية للعدسة بشكل متواز (العلوي)، بحيث يمر الضوء عبرها شاقوليا، كما في عدسة عين البقرة المعروضة في الصورة. وفي إحدى هذه الطبقات (السفلي) تتداخل الخلايا المتجاورة فيما بينها مثل قطع لعبة الصور المتقطعة لتحول دون تشكل فراغات عندما تغير العدسة لشكلها أثناء عملية المطابقة. هذا وإن توضع الخلايا بشكل طبقات، إضافة إلى تداخل الخلايا فيما بينها، يُمكّنان الضوء من العبور عبر الخلايا دون انتثاره.
وهذا النقص في آلية الإصلاح يجعل الخلايا سريعة العطب وغير قادرة على تحمل بعض الضغوط. فمثلا، يسبب نقص الإماهة الشديد ترسب پروتينات البلورين منبهة خلاياها لأن تتجمع في كتلة مسببة الساد. وتُغيّر هذه الكتلة من قرينة الانكسار الخاصة مخَلفة بقعة مشوشة في الساحة البصرية للإنسان. وقد يؤدي نقص الإماهة الشديد ولو لبضعة أسابيع فقط إلى بدء تشكل الساد.
وحتى في حال غياب مثل هذه الحالات فإن عدم القدرة على الإصلاح يعني أنه على المدى الطويل ستتراكم الأذيات الصغيرة مؤدية إلى النتيجة نفسها. إن التعرض المنتظم للجزيئات الشديدة الارتكاس (مثل الجذور غير المؤكسدة الحرة أو الأشعة فوق البنفسجية) أو إلى سنوات من ارتفاع سكر الدم بسبب الداء السكري سوف يؤدي في النهاية إلى حدوث الساد عند العديد من الأشخاص، ومن ثم إلى الكثير من عمليات الساد.
يعود تاريخ إزالة العدسات المصابة بالساد إلى 1800 سنة قبل الميلاد، أي إلى زمن حمورابي. تصف النصوص المصرية القديمة والمؤلفات الإسلامية وكتابات العصور الوسطى الأوروبية، كيفية فصل العدسة عن العضلة الهدبية ودفعها إلى الخلط الزجاجي (7) (السائل الكثيف في القسم الخلفي للعين)، مع أن هذه العملية تزيل الحجاب عن الطريق الضوئي، لكن لا يبقى في العين عدسة لتركيز الأشعة، ومن ثم لا يرى المريض الأشياء بوضوح، بل صورا مشوشة، كما لو أنهم يفتحون عيونهم تحت سطح الماء.
إن استعمال النظارات الخاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر عَوّض أخيرا عن القدرة التركيزية للعدسة المفقودة، أما في أيامنا هذه ـ بعد أن شاع زرع العدسات داخل العين ـ فلم تعد هناك حاجة إلى استخدام النظارات. ويجري الأطباء سنويا أكثر من مليون عملية ساد وزرع عدسات في الولايات المتحدة وحدها. ولحسن الحظ فإن هذه العملية التي لا تستغرق أكثر من 45 دقيقة تتمتع بنسبة نجاح عالية (100 في المئة تقريبا)، ومع ذلك فإن نحو ثلث عدد المرضى يراجعون أطباءهم بعقابيل الساد، وذلك بسبب بعض الخلايا اللامتمايزة (الخلايا الجذعية) التي تُترك أثناء الجراحة بشكل غير مقصود. وتبدأ هذه الخلايا بالتكاثر فوضويا بشكل مناف لسلوكها السوي خلال تطورها الجيني وتشكل كتلة غير متعضية تشوش الرؤية وقد تحتاج إلى تدخل جراحي ثان. ويعتبر الساد مسؤولا عن نصف عدد حالات العمى في البلدان التي تفتقر إلى الجراحة العينية، ففي الهند وحدها يسبب الساد فقدان الرؤية عند 3.8 مليون شخص سنويا