قصة السامريّ مع موسى عليه السلام
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فهذا لقاء متجدد من برنامجكم" أعلام القرآن" ، والعلم الذي نحن بصدد الحديث عنه ذكره الله جل وعلا ذماً في القرآن وهو "السامري" الذي هو من بني إسرائيل كما هو معلوم ، قال الله جل وعلا لنبيه موسى عليه السلام {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ }[طه/85]إذن نحن أمام شخصية رجل ضال ، ومُضل في نفس الوقت ، سنتحدث عن الزمان والمكان والفتنة التي تلبس بها السامري .
فأما الزمان فقد كان هذا بعد خروج موسى عليه السلام وبني إسرائيل من أرض مصر عندما نجاهم الله وأغرق آل فرعون وبنو إسرائيل ينظرون إليهم ، بعد ذلك بعد أن نجا موسى عليه السلام والمؤمنون الذين معه ، طالبه الله جلا وعلا بأن يدخل الأرض المقدسة لكن قومه أبو {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة/24 ]فلجأ إلى ربه يحتكم إليه {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[المائدة/26 ]
فالأحداث التي سنتكلم عنها الآن تمت بعد خروج موسى وقومه من أرض مصر وقبل دخولهم الأرض المقدسة على يديوشع بن نون في حياة موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام -أي أنها من حيث الزمان بعد الخروج ومن حيث المكان في أرض التيه في الصحراء التي تاه فيها بنو إسرائيل- {يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[المائدة/26] حددنا الآن المكان والزمان .
في تلك الحقبة وعد الله جل وعلا موسى فسبق موسى قومه إلى ميقات ربه وتعجل كل ذلك طلباً لرضوان الله {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}طه84 . وجعل هارون أي جعل موسى أخاه هارون خليفة له في بني إسرائيل {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}الأعراف142، وهو يوصيه، هارون أكبر من موسى وكان محبوب جداً عن بني إسرائيل لرقة طبعه ورفقه بهم .
في تلك الفترة أو في تلك الحقبة التي ذهب فيها موسى لميقات ربه جاء السامري هذا وهو رجل من بني إسرائيل نجا معهم ، جاء إلى صنم إلى صاغة الذهب التي كانت في يد بني إسرائيل هذه الحلي من أين حصل عليها بنو إسرائيل ؟
حصلوا عليها قبل أن يخرجوا من أرض مصر فإن بني إسرائيل لما أراد الله جل وعلا أن ينجيهم أمرهم أن يتخذوا بيوتهم قبله ، فقيل في معنى (قبله) متقابلة ، فأراد بنو إسرائيل -والعلم عند الله- أن يعموا على قوم فرعون خروجهم فكانوا يستعيرون منهم حُلي ، فبنو الأقباط الجيران لبني إسرائيل يعطون بني إسرائيل الحُلي من الذهب والفضة فجمعوها فلما أُخبروا بضرورة الهجرة وترك مصر حملوها ولهذا قال الله :{ وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا } أي أثقالاً {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ}[طه/87 ]أي قوم ؟ من الأقباط . فحملوها معهم إلى أرض التيه لأنهم لن يستطيعوا أن يردوها إلى أصحابها.
هذا السامري قال عن نفسه بعد أن صنع لهم العجل قال عياذاً لهم بالله {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}[طه/88 ]أي أن موسى لم يعرف ربه ونسي أين مكانه وهذا هو إلهكم ، وجعل لهذا العجل صوتاً يخرج منه ، يبقى احتمالان :
الاحتمال الأول : هل خروج الصوت بناء على طريقة في الفتح والإغلاق؟ يعني تدخل الهواء من جهة وتخرج من جهة وتحدث صوتاً هذا وادر.
والحالة الأخرى : أن يكون أنه قدر له أن يجعل لهذا العجل المصنوع من الزينة صوتا ، فإن قال قائل كيف تم ذلك وإن كنت أراه مرجوحاً لكنه مذكور هذا نؤخر الكلام عنه لماذا ؟
لما ذهب موسى إلى ربه قال له ربه ( وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }[طه/84 ]فأخبره الله {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}[طه/85 ]، فالله جل وعلا هنا شهد وأخبر أن السامري ضال -وكفى بشهادة الله شهادة- ، فرجع موسى غضباً أسفاً {غَضْبَانَ أَسِفًا}[طه/86 ]كما قال الله ، فبادر أول الأمر إلى أخيه يجره إليه يعنّفه يعاتبه كيف يقع هذا وأنت موجود؟
فاستعطفهٌ هارون وذكّره بأن هناك رحماً يجمعهم {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[طه/94 ]مع أن هارون قام بواجب النصح على أكمل وجه ، وحذرهم من الشرك بالرب تبارك وتعالى ، ونصحهم كما أخبر الله جل وعلا في القرآن .
هنا ألتفت موسى إلى السامري وسأله {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}[طه/95 ]وأنا قلت أنني أرجأت الجواب { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ}[طه96 ]أي ظهر لي ما لا يظهر لغيري وأرشدت فيما أحسب إلى ما لم يُرشد إليه غيري {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} أي رسول ؟جبريل ، فجبريل كان على فرسه يوم نجّا الله موسى من أل فرعون ، فهذا السامري يقول أنا نظرت إلى جبريل ومواقع حافر فرسه فأخذت تلك القبضة واحتفظت بها { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }[طه/96 ]ثم أخذ الحلي التي جمعها بنو إسرائيل كما حررنا سابقا ثم جعلها في نار حتى ذابت ثم مزجها بالقبضة التي قبضها يزعم أن الحياة ستدب فيها ثم {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}[طه/88 ]هذا تعبير القرآن ، عجل معروف صغار البقر ، جسداً أي لا حياة فيه لأن من تأمل القرآن يجد أن الله إذا ذكر كلمة جسم يتكلم عن مخلوق تدب فيه الروح ، فالله جل وعلا يقول {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}[المنافقون/4 ]تكلم عن المنافقين والمنافقون ذوو أرواح ، لكنه لما تكلم عن هذا العجل قال جسداً ولم يقل جسماً لأنه لا روح فيه ، ولما تكلم عن طالوت قال { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ }[البقرة/247] ولم يقل في الجسد لأن الجسد في القرآن يُطلق على مالا روح فيه قال الله {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ }[الأنبياء/8] فهنا قال {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}[طه/88 ]أي على هيئة عجل(لَهُ خُوَارٌ)أي له صوت وقد قلت أنه يحتمل أن يكون من طريقة دخول الهواء وخروجه وقد يكون كما زعم السامري وإن كنت أرجح الأول ، {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}[طه/88 ] فعاقبه موسى بأن قال له {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ}[طه/97] أي تصبح منبوذاً متروكاً لا يتعامل معك أحد تخرج من بين أظهرنا .
هنا وقفة تأمل في النظر ليست وقفة تأمل في الأثر ولك أن تتقبلها أو أن ترفضها لكن قال بها بعض الفضلاء وأقول لها حظ من النظر . موسى عليه الصلاة و السلام لما رأى قومه قد أشركوا ألقى الألواح ، ولما رأى أخاه هارون عجز عن حل القضية أخذ برأسه يجره إليه ، ولما ركب مع الخضر عليه السلام أنكر على الخضر ثلاث مرات . وهذا كله يدلك على شخصية من؟ على شخصية موسى . لكنه في هذا الموقف لم يكن بالحالة التي كان عليها في الأحوال السابقة فقال { فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ}[طه/97] وهذا بالطبع يراه البعض مخالفاً لشخصية موسى عليه السلام ونحن لا نجزم . لكن قال بعض الناس إن معنى { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ}[طه/97] بمعنى أنه أرجئ فقالوا إن السامري هو الدجال الذي يظهر في أخر الزمان وإن قول الله { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا }[طه/97] أي موعد تخرج فيه خروجاً كلياً للناس ، أقول الدجال غيب ولا يمكن أن يقطع بهذا التأمل ، لكن التأمل هذا يدل على أن هناك حظاً من النظر والتأمل في القرآن فهو غير مقبول لكنه لا يُستبعد -والعلم عند الله- .
من هذا الخبر القرآني كله نفهم أن الإنسان إما أن يكون رأساً في الخير أو أن يكون رأساً في الشر ، وأبى هذا الشقي بما ساء من سريرته وساء من طينته إلا أن يكون شقياً فضل وأضل لكن الله جل وعلا تاب على بني إسرائيل كما جاء هذا في آيات عديدة ولم يذكر الله جل وعلا أنه تاب على السامري .
والمقصود أن الفتن تظهر بين الحين والأخر ويجب على الإنسان أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيه السامريّ موسى عليه السلام عليه وسلم" class="inlineimg" /> ، وقد قيل إن الفتن إذا أقبلت لا يفقهها إلا العلماء ، فإذا انتهت وأدبرت فقهها الجميع ومن هنا كان ينبغي أن يكون للإنسان حظ من العلم الشرعي فإن لم يكن له كذلك فلا أقل من أن يسأل أهل العلم والذكر الموثوق بدينهم المؤصلين علمهم على كتاب الله وسنة نبيه السامريّ موسى عليه السلام عليه وسلم" class="inlineimg" /> .
وعموماً السامري رجل من بني إسرائيل أضله الله جل وعلا على علم وبنو إسرائيل هم قوم موسى عليه الصلاة والسلام كما أن فيهم أبرار وأخياراً وصالحين ، فيهم من حاد عن الصواب وغير ما أفاء الله جل وعلا عليه من النعم ، والبعد عن هدي الأنبياء وعدم الاقتباس من سناهم إنما يجعل الإنسان أسفل سافلين أعاذنا الله وإياكم من ذلك .
كل ذلك كما بينا مر في وقت خروج موسى عليه السلام من أرض مصر ومكوثه مع قومه في أرض التيه ، وقد صحب موسى عليه الصلاة و السلام في تلك الحقبة أحداث عظام منها هذا الموقف مع السامري ، ومنها خروجه عليه الصلاة والسلام للاستماع من الخضر كما قال الله تبارك وتعالى {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}[الكهف/65 ] . هذا كله حصل وموسى عليه الصلاة والسلام في أرض التيه كما أنه حصل أن الله جل وعلا رفع الطور عليهم كأنه ظله هذا حصل في زمن موسى عليه الصلاة والسلام في أرض التيه .والمقصود مات موسى بعد ذلك ثم مات هارون وبهذا انتهت مرحلة من حياة بني إسرائيل.
هذا ما تيسر إيراده وتهيئ إعداده حول خبر السامري ، والله المستعان والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى أله .