أثر اتفاق الشراكة على الاقتصاد الوطني:
إن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي يتم بين اتحاد أرويي متطور تكنولوجيا وفنيا وماليا، مكون من 15 دولة صناعية مستوى دخل الفرد فيها مرتفع، وسوق كبير وإنتاج وفير متنوع وذو جودة عالية وقدرة تنافسية كبيرة، تطبق سياسة زراعية مشتركة تتمتع بحماية كبيرة. وبلد صغير متخلف، يعتمد على إنتاج وتصدير منتوج وحيد هو المحروقات
)حوالي 97
% من إجمالي الصادرات
(لا تشتغل طاقاته الاقتصادية إلا بأقل من 50
% ،تابع للاتحاد الأوربي بحوالي 56
% من تجارته الخارجية بينما لا تشكل هذه التجارة إلا 5
% من تجارة الاتحاد الأوربي، بلد ليس له بعد اقتصادي مغاربي أو عربي يشكل عمقه الاقتصادي وقوته التفاوضية.
هذا الاتفاق يستند في جوهره على بعدين مهمين:
- الإلغاء التدريجي لكل التعريفات الجمركية المطبقة من قبل الجزائر على وارداتها من السلع الصناعية من الاتحاد الأوربي بما يوصل إلى إقامة منطقة تبادل حر بعد 12 سنة من سريان الاتفاق.
- تقديم مساعدات مالية محدودة للجزائر،وذلك للمساعدة في تأهيل المؤسسات الاقتصادية الجزائرية.
بقية الأبعاد الإنتاجية والبشرية والنقدية وبشكل عام العناصر الضرورية لمسألة التنمية المستدامة لا تشغل إلا حيزا نظريا دون أن ترفق بوسائل عملية لتجسيدها على أرض الواقع.
على الصعيد الكلي فإن التفكيك التدريجي للحقوق الجمركية سيحرم الخزينة العمومية الجزائرية من مبالغ ضخمة رغم تزايد تهافت المستهلك والمستعمل الصناعي الجزائري على المنتجات الخارجية عموما والأوربية خصوصا.
كما أن تزايد المنتجات الأجنبية ومنافستها للمنتجات الجزائرية من شأنه أن يقلص الطلب على هذه الأخيرة ويؤدي إلى إفلاس العديد من المؤسسات الجزائرية مما يعني تفشي البطالة وحرمان مئات العائلات الجزائرية من قوت يومها.
وعلى صعيد النمو والتنمية الاقتصادية فليس هناك أي مؤشر واضح يدعو إلى القول بأن التبادل الحر هو مطية حتمية وكافية للتنمية،إذ يبدو أن الأمر يتوقف على عوامل ومتغيرات اقتصادية وغير اقتصادية عديدة أخرى،منها الداخلية والخارجية التي لايمكن التحكم فيها ولا حتى التنبؤ بها.
وعلى صعيد المعاملات الخارجية فإن اتفاق الشراكة لا يقدم شيئا إضافيا للمنتجات الجزائرية بل على العكس فإن الأوضاع الجديدة في أرويا ستزيد من تعقيد الأمور أمام المنتجات الجزائرية التي ستجد نفسها في مواجهة منتجات دول أرويا الوسطى
والشرقية التي انضمت أخيرا إلى الاتحاد الأوربي، إضافة إلى منتجات بقية دول العالم.
وعلى العكس فإن التفكيك التدريجي للحقوق الجمركية على الصادرات الصناعية الأروبية إلى الجزائر واستبعاد كل التقييدات الكمية إزاءها ستؤدي حتما إلى دخول المزيد من المنتجات الأروبية ذات الجودة العالية والأسعار المنخفضة إلى السوق الجزائرية، وهو ما يعقد الأمر أمام الصناعة الجزائرية التي ظلت تشتغل بأقل من نصف طاقتها وبأجهزة ذات إنتاجية ضعيفة وتنتج منتجات تتسم بالرداءة وبارتفاع التكاليف رغم استفادتها من حماية جمركية وغير جمركية مكنتها من احتكار السوق المحلي لمدة طويلة.
كما أن انضمام الجزائر إلى اتفاق الشراكة لن يؤدي إلى تحسين القدرة التفاوضية للجزائر أثناء المفاوضات المتعددة الأطراف التي تجريها وستجريها مستقبلا لعدم اندماجها في الاتحاد الأوربي.
ومن الإيجابيات المنتظرة من اتفاق الشراكة:
- أنه سيغير نظرة العالم الخارجي للجزائر إذ سيعد ذلك بمثابة تأمين وضمان يقلص من خطر الدولة ويشكل ضمانا للاستقرار والأمن في الجزائر بالنسبة للمستثمرين الأجانب عموما والأوربيين بشكل خاص، مما قد يشجع في المديين المتوسط والطويل على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى الجزائر.
- انكشاف المؤسسات الجزائرية أمام المنافسة الأجنبية الشرسة وتعريتها من كل حماية من شأنه أن يحثها على تحسين أدائها والاستفادة من الشراكة في مجالات تمويل الاستثمارات والتسيير والتسويق والتحكم في التكنولوجيا.
- تشجيع الاستثمار في مجال البحث والتطوير.
- تثمين الموارد البشرية وجعلها العامل الحاسم في خلق المزايا التنافسية.
- فضلا عن إمكانية إعادة هيكلة الاقتصاد الجزائري في المديين المتوسط والطويل من خلال:
* تأهيل المؤسسات التي لم يطلها الإفلاس، وحثها على تطبيق إدارة الجودة الشاملة.
* خوصصة القطاعات الأقل كفاءة، بما في ذلك القطاع المصرفي، وتحديثه وإدخال عليه أساليب تسيير جديدة تتفق مع المعايير المعمول بها عالميا.
* الشراكة مع المؤسسات الأروبية، والاستفادة من خبرات في مختلف المجالات التسييرية والتكنولوجية والتسويقية.
* خلق مناخ استثماري مناسب عبر القضاء على الأساليب البيروقراطية وإدخال المزيد من المرونة على قوانينها الاستثمارية بما يشجع الاستثمار الأجنبي المباشر.
كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى:
* خلق مناصب شغل جديدة وتحسين مستوى المعيشة من خلال إتاحة مداخيل إضافية للسكان.
* بعث مؤسسات صغيرة ومتوسطة بما يسمح بإعادة بناء النسيج الاقتصادي وتنويعه.
* الوصول في نهاية المطاف إلى تحسين القدرة التنافسية للمنتجات
الوطنية.