يروى أن الأرض كانت ، قبل خلق آدم علية السلام ، معمورة بالجن والنسناس والسباع ، وغيرها من الحيوانات ، وأنه كان لله فيها حجج وولاة ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
وحدث أن طغت الجن وتمردوا ، وعصوا أمر ربهم . فغيروا وبدلوا ، وأبدعوا البدع ، فأمر الله سبحانه الملائكة ، أن ينظروا إلى أهل تلك الأرض ، وإلى ما أحدثوا وأبدعوا ، إيذاناً باستبدالهم بخلق جديد ، يكونون حجة له في أرضه ، ويعبد من خلالهم .
ثم إنه سبحانه وتعالى قال لهم : { إني جاعلٌ في الأرض خليفة } . فقالوا : سبحانك ربنا : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } كما أفسدت الجن ؟ فاجعل الخليفة منا نحن الملائكة ، فها نحن { نسبِّحُ بحمدك ونقدِّسُ لك } ، ونطيعك ما تأمرنا . فقال عزّ من قائل : { إنّي أعلمُ مالا تعلمون } .
وبعث اللهُ الملك جبرائيل عليه السلام ليأتيهُ بترابٍ من أديم الأرض ، ثم جعله طيناً، وصيَّرهُ بقُدرتهِ كالحمإ المسنون ، ثم كالفخّار ، حيث سوّاه ونفخ فيه من روحه ، فإذا هو بشرٌ سويّ ، في أحسن تقويم .
* خلق حواء وزواج آدم منها :
سمّى اللهُ سبحانه وتعالى مخلوقه الجديد ، آدم ، فهو الذي خلقه من أديم الأرض ، ثم إنه عزّوجلّ ، خلق حوّاء من الطين الذي تبقى بعد خلق آدم وإحيائه .
ونظر آدم علية السلام فرأى خلقاً يشبهه ، غير أنها أنثى ، فكلمها فردت عليه بلغته ، فسألها : ” من تكون ؟ ” فقالت : ” خلق خلقني الله ” .
وعلَّم اللهُ آدمَ الأسماء كلها ، وزرع في نفسه العواطف والميول ، فاستأنس بالنظر إلى حوّاء والتحدث إليها ، وأدناها منه ، ثم إنّهُ سألَ الله تعالى قائلاً : ” ياربّ من هذا الخلقُ الحسن ، الذي قد آنسني قربه والنظر إليه ؟ ” وجاءه الجواب : ” أن ياآدم ، هذه حوّاء .. أفتحبُّ أن تكون معك ، تؤنسك وتحادثك وتأتمر لأمرك ؟ ” فقال آدم علية السلام ” نعم ياربّ ، ولك الحمدُ والشكرُ مادمتُ حيا . ” فقال عزّوجلّ : ” إنّها أمتي فاخطبها إليّ ” . قال آدم علية السلام : ” يارب ، فإني أخطبها إليك ، فما رضاك لذلك ؟ ” وجاءه الجواب : ” رضاي أن تعلمها معالم ديني .. ” فقال آدم علية السلام : ” لك ذلك يارب ، إن شئت ” . فقال سبحانه : ” قد شئت ذلك ، وأنا مزوجها منك ” .
فقبل آدم بذلك ورضي به .
* تكريم الله لآدم ورفض إبليس السجود له :
أراد الله عزوجل ، أن يعبد من طريق مخلوقه الجديد ، فأمر الملائكة بالسجود إكراماً له ، بمجرد أن خلقه وسواه ونفخ فيه من روحه ، فخرت الملائكة سُجّداً وجثيّا .
وكان إبليس ، وهو من الجن ، كان في عداد الملائكة حينما أمرهم الله بالسجود إكراماً لآدم علية السلام . وكان مخلوقاً من النار ، شديد الطاعة لربّه ، كثير العبادة له ، حتى استحق من الله أن يقربه إليه ، ويضعه في صف الملائكة … ولكن إبليس عصى هذه المرّة الأمر الإلهي ، بالسجود لأدم علية السلام . وشمخ بأنفه ، وتعزز بأصله ، وراح يتكبر ويتجبر ، وطغى وبغى ، وظل يلتمس الأعذار إلى الله سبحانه ، حتى يعفيه من السجود لآدم علية السلام .
وما فتئ يتذرّعُ بطاعته لله وعبادته له ، تلك العبادة التي لم يعبد الله مثلها ملكٌ مقرَّب ، ولانبيٌّ مرسل … وأخذ يحتجُّ بأنّ الله خلقه من نار ، وأن آدم مخلوق من تراب ، والنار خير من التراب وأشرف : { قال : أنا خيرٌ منه ، خلقتني من نارٍ وخلقته من طين } . { أأسجد لمن خلقت طينا } .
ولما كان الله سبحانه وتعالى ، يريد أن يُعبَدَ كما يُريد هو ، ومن حي يريد ، لاكما يريد إبليس اللعين هذا ، صب عليه سوط عذاب ، وطرده من الجنة ، وحرّمها عليه ، ومنعه من اختراق الحجب ، التي كان يخترقها مع الملائكة علية السلام .
ولما رأى إبليس غضب الخالق عليه ، طلب أن يجزيه الله أجر عبادته له آلاف السنين ، وكان طلبُه أن يمهله الله سبحانه في الدنيا إلى يوم القيامة ، وهو ينوي الانتقام من هذا المخلوق الترابي ، الذي حُرِمَ بسببه الجنة ، وأصابته لعنة الله . كما طلب أيضاً ، أن تكون له سلطة على آدم وذريّته ، وظلّ يكابر ويعاند ، ويدّعي أنّهُ أقوى من آدم ، وخير منه : { قال : أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ ، لئِنْ أخّرتنِ إلى يوم القيامة ، لأحتنكنَّ ذريته إلاّ قليلاً } .
* آدم علية السلام يستعين بالله :
أعطى الله سبحانه وتعالى ، أعطى إبليس اللعين ماطلبه وأحبه من نعيم الدنيا ، والسلطة على بني آدم الذين يطاوعونه ، حتى يوم القيامة ، وجعل مجراه في دمائهم ، ومقرّه في صدورهم ، إلا الصالحين منهم ، فلم يجعل له عليهم سلطانا : { قال : اذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنم جزاؤكم جزاءً موفورا … إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا } .
وعرف آدم ذلك ، فلجأ إلى ربّه مستعصما ، وقال : ” يا ربّ ! جعلت لإبليس سلطة عليّ وعلى ذرّيتي من بعدي ، وليس لقضائك رادٌّ إلاّ أنت ، وأعطيته ما أعطيته ، فما لي ولولدي مقابل ذلك ؟ ” فقال سبحانه وتعالى : ” لك ولولدك : السيئة بواحدة ، والحسنة بعشرة أمثالها ” فقال آدم علية السلام : ” متذرعاً خاشعا : يارب زدني، يارب زدني ” . فقال عزّوجلّ : ” أغفِرُ ولا أبالي ” فقال آدم علية السلام ” حسبي يارب ، حسبي ” .
* نسيان آدم وحواء وخطيئتهما :
أسكن الله سبحانه آدم وحواء الجنة ، بعد تزويجهما : { وإذ قلنا ياآدم أسكن أنت وزوجك الجنة } وأرغد فيها عيشهما ، وآمنهما ، وحذّرهما إبليس وعداوته وكيده ، ونهاهما عن أن يأكلا من شجرة كانت في الجنة ، تحمل أنواعاً من البر والعنب والتين والعناب ، وغيرها من الفواكه مما لدّ وطاب : { وكلا منها رغداً حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } .
وجاءهما الشيطان بالمكر والخديعة ، وحلف لهما بالله أنه لهما لمن الناصحين ، وقال : إني لأجلك ياآدم ، والله لحزين مهموم … فقد أنست بقربك مني … وإذا بقيت على هذا الحال ، فستخرج مما أنت فيه إلى ما أكرهه لك .
نسي آدم علية السلام تحذير الله تعالى له ، من إبليس وعداوته ، وغرّه تظاهر إبليس بالعطف عليه والحزن لأجله ، كما زعم له ، فقال لإبليس : ” وما الحيلة التي حتى لاأخرج مما أنا فيه من النعيم ؟ ” فقال اللعين : ” إنّ الحيلة معك : ” { أفلا أدلك على شجرة الخلد ومُلكٍ لايبلى } ؟ وأشار الى الشجرة التي نهى الله آدم وحوّاء عن الأكل منها ، وتابع قائلاً لهما : { مانهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } .
وازدادت ثقة آدم علية السلام بإبليس اللعين ، وكاد يطمئن إليه وهو العدوّ المبين ، ثم إنّه استذكر فقال له : ” أحقاً ماتقول ” : فحلف إبليس بالله يميناً كاذباً ، أنّهُ لآدم من الناصحين ، وعليه من المشفقين ، ثم قال له : ” تأكل من تلك الشجرة أنت وزوجك فتصيرا معي في الجنة إلى الأبد ” .
لم يظنّ آدمُ علية السلام ، أنّ مخلوقاً لله تعالى يحلف بالله كاذباً ، فصدقه ، وراح يأكل هو وحوّاء من الشجرة ، فكان ذلك خلاف ما أمرهما به الله سبحانه وتعالى .
* الخروج من الجنة :
ماكاد آدم وحوّاءُ ، يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها ، حتى نادي منادٍ من لدن العرش الإلهي ، أن : ” ياآدم ، اخرج من جواري ، فإنه لايُجاوِرُني مَن عصانيْ ” .
وبكى آدم علية السلام لما سمع الأمر الإلهيّ له بالخروج من الجنة … وبكت الملائكة لهذا المخلوق الذي سجدت له تكريماً . فبعث الله عزّ وجلّ جبرائيل علية السلام ، فأهبط آدم إلى الأرض ، وتركه على جبل سرنديب في بلاد الهند ، وعاد فأنزل حوّاء إلى جُدَّة .
ثم أنّ الله سبحانه وتعالى ، أمر آدم أن يتوجّه من الهند إلى مكة المكرّمة ، فتوجّه آدم إليها حتى وصل إلى الصفا … ونزلت حواء بأمر الله إلى المروة ، حتى التقيا من جديد في عرفة . وهناك دعا آدم ربّه مستغفراً : اللهم بحق محمد وآله والأطهار ، أقلني عثرتي ، واغفر لي زلتي ، وأعدني إلى الدار التي أخرجتني منها .
* الرحمة والغفران :
قال تعالى : { وتلقى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه } .
وأوحى الله عزوجلّ إلى جبريل علية السلام : إني قد رحمت آدم وحوّاء ، فاهبط عليهما بخيمةٍ من خيم الجنة ، واضربها لهما مكان البيت وقواعده ، التي رفعتها الملائكة من قبل ، وأنرها لهما بالحجر الأسود . فهبط جبريل علية السلام بالخيمة ونصبها ، فكان المسجد الحرام منتهى أوتادها ، وجاء بآدم وحواء إليها .
ثم إنّه سبحانه أمر جبريل بأن يُنَحّيهما منها ، وأن يبني لهما مكانها بيتاً بالأحجار ، يرفع قواعده ، ويتم بناءه للملائكة والخلق من آدم وولده ، فعمد جبريل إلى رفع قواعد البيت كما أمره الله .
وأقال الله آدم عثرته ، وغفر زلته ، ووعده بأن يعيده إلى الجنة التي أُخرج منها . وأوحى سبحانه إليه ، أن : ” ياآدم ، إني أجمع لك الخير كله في أربع كلمات : واحدة منهن لي ، أن تعبدني ، ولاتشرك بي شيئاً ، وواحدة منهن لك : أجازيك بعملك ، أحوجَ ماتكون ، وكلمة بيني وبينك : عليك الدعاء ومني الإجابة ، وواحدة بينك وبين الناس من ذريتك ، ترضى لهم ماترضى لنفسك .
وهكذا ، أنزل الله على آدم علية السلام دلائل الألوهية والوحدانية ، كما علمه الفرائض والأحكام والشرايع ، والسنن والحدود .
* قابيل يقتل هابيل :
كان قابيل أول أولاد آدم علية السلام . فلما أدرك سنّ الزّواج ، أظهر الله سبحانه جنية يقال لها جهانة ، في صورة إنسية ، فلما رآها قابيل أحبها ، فأوحى الله تعالى إلى آدم علية السلام أن يزوجها من قابيل ففعل .
ثم لما ولد هابيل ، الابن الثاني لآدم علية السلام . وبلغ مبلغ الرجال ، أهبط الله تعالى إحدى حوريّات الجنة ، فرآها هابيل وأحبها ، فأوحى الله لآدم علية السلام أن يزوجه بها .
ثم إن الله سبحانه وتعالى ، أمر نبيه آدم علية السلام ، أن يضع مواريث النبوة والعلم عند ولده هابيل ، ويعرفه بذلك … ولما علم قابيل بذلك ، غضب واعترض أباه قائلاً : ” أنا أكبر من هابيل ، وأنا أحق بهذا الأمر منه ” .
وتحيّر آدم علية السلام ، فأوحى الله إليه أن يقول لابنه قابيل : ” بابني ، إنّ الأمر لم يكن بيدي ، وإنّ الله هو الذي أمرني بذلك ، ولم أكن لأعصى أمر ربي ثانية ، فأبوء بغضبه ، فإذا كنت لاتصدقني ، فليقرب كل واحدٍ منكما قرباناً إلى الله ، وأيُّكما يتقبَّل الله قربانه ، يكن هو الأولى ، والأحق بالفضل ومواريث النبوة .
قدّم قابيل قرباناً من أيسر ملكه ، وقدّم هابيل قربانه من أحسن ماعنده … فتقبل الله سبحانه قربان هابيل ، بأن أرسل ناراً تركت قربان قابيل كما هو ، ممّا أثار حفيظة قابيل ، وأجّج نار الحقد في صدره .
ووسوس له الشيطان بأن : اقتل أخاك فينقطع نسله ، وتُريحُ أولادك من بعدم إن كان لك ولد ، ثم لايجد أبوك من يعطيه المواريث سواك، فتفوز بها ، وذريتك من بعدك ..
وسوّلت له نفسه قتل أخيه هابيل ، فقتله … وكانت أوّل جريمة على وجه الأرض ، نفّرَت الوحوش والسّباع والطيور ، خوفاً وفرقا .
ولم يدر قابيل كيف يخفي جريمته … وماذا يصنع بجسد أخيه الملقى على الأرض بلا حراك ؟ ويبعث الله تعالى غرابين يقتتلان في الجو ، حتى يقتل أحدهما الآخر ، ثم يهوي وراءه إلى الأرض ، فيحفر ، بمخالبه حفرة ، يدفن فيها صاحبه ، وقابيل ينظر ويرى .
أدرك قابيل عجزه وضعفه وقال : ” ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغُراب فأواري سوأة أخي } وأدفنُ جُثّتهُ ، كما دفن هذا الطائر الصغير الحقيرُ صاحِبُه المقتول ؟{ فأصبح من النّادمين } .
* ذرية آدم علية السلام :
ولد لآدم وحواء سبعون بطنا ، على مايُروى ، وكان أوّل أولادهما قابيل ثم هابيل اللذين لم ينجبا على مايبدو …
ولكن الله جلّ وعلا وهب لآدم وحوّاء ابنهما شيثا ( هبة الله ) ومن بعده ولد لهما يافث .. فلما أدركا وبلغا مبلغ الرجال ، وأراد الله أن يبلغ بالنسل مانرى … وأن يكون ماقد جرى به القلم ، من تحريم ماحرّم الله تعالى ، من زواج الإخوة وبالأخوات أنزل سبحانه من الجنة حوريتين ، هما نزلة ومنزلة ، وأمر آدم ، يزوجهما من شيث ويافث ، فكان ذلك … وولد لشيث غلامٌ ، وولدت ليافث جارية ، فأمر الله تعالى أن يزوج آدم علية السلام ابنة يافث من ابن شيث .
ولم يحرم الله آدم وحوّاء من الإناث ، فقد رزقهما الله ابنة أسمياها عناق ، تزوجت وولدت ولداً اسمه عوج ، وصار فيما بعد جباراً شقياً ، عدواً لله ولأوليائه ، فسلط الله عليه وعلى أمه عناق من قتلهما .
* وفاة آدم وحوّاء :
انقضت أيام آدم علية السلام ، فأمره الله أن يوصي إلى ولده شيث ، ويدفع إليه مواريث النبوة والعلم والآثار ، وأمره بأن يكتم هذا الأمر عن قابيل ، حتى لاتتكّرر الجريمة المأساة ، ويقتله كما قتل أخاه هابيل من قبل .
وتوفي آدم علية السلام ولهُ من الذريّة من ولده وأولاد ولده العدد الكثير ، بعد أن عمّر تسعمائة وستين سنة ، ودفن في جبل أبي قبيس ، ووجهه إلى الكعبة المشرَّفة على ماذكر في كتب السير . ولم تعمرّ حواء بعد آدم إلاّ قليلاً ، عاماً واحداً مرضت بعده وماتت ، ودفنت إلى جانب آدم علية السلام .
وفي أيام النبي نوحٍ علية السلام , وعندما حصل الطوفان ، أوحى الله سبحانه إلى نوحٍ أن يحمل معه في السفينة جثمان أبيه آدم علية السلام إلى الكوفة ، فحمله إلى ظهر الكوفة ، وهو النجف الأشراف ، حيث دفنه هناك في المكان المعروف بمرقد نوحٍ علية السلام .